يقول تعالى, مبينا أنه الرب المعبود وحده لا شريك له " إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ " وما فيهما, على عظمهما وسعتهما, وإحكامهما, وإتقانهما, وبديع خلقهما.
" فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ " أولها: يوم الأحد, وآخرها, يوم الجمعة.
فلما قضاهما, وأودع فيهما من أمره ما أودع " اسْتَوَى " تبارك وتعالى " عَلَى الْعَرْشِ " العظيم, الذي يسع السماوات والأرض, وما فيهما, وما بينهما.
استوى, استواء يليق بجلاله, وعظمته, وسلطانه.
فاستوى على العرش, واحتوى على الممالك, وأجرى عليهم أحكامه الكونية, وأحكامه الدينية, ولهذا قال: " يُغْشِي اللَّيْلَ " المظلم " النَّهَارِ " المضيء, فيظلم ما على وجه الأرض, ويسكن الآدميون, وتأوى المخلوقات إلى مساكنها, ويستريحون من التعب, والذهاب والإياب, الذي حصل لهم في النهار.
" يَطْلُبُهُ حَثِيثًا " كلما جاء الليل, ذهب النهار; وكلما جاء النهار, ذهب الليل, وهكذا أبدا, على الدوام, حتى يطوي اللّه هذا العالم, وينتقل العباد إلى دار غير هذه الدار.
" وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ " أي بتسخيره وتدبيره, الدال على ما له من أوصاف الكمال.
فخلقها وعظمها, دال على كمال قدرته.
وما فيها من الإحكام والانتظام والإتقان, دال على كمال حكمته.
وما فيها من المنافع والمصالح الضرورية وما دونها, دال على سعة رحمته وعلمه, وأنه الإله الحق, الذي لا تنبغي العبادة إلا له.
" أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ " أي: له الخلق الذي صدرت عنه جميع المخلوقات علويها, وسفليها, أعيانها, وأوصافها, وأفعالها, والأمر المتضمن للشرائع والنبوات.
فالخلق: يتضمن أحكامه الكونية القدرية.
والأمر: يتضمن أحكامه الدينية الشرعية.
وثم أحكام الجزاء, وذلك يكون في دار البقاء.
" تَبَارَكَ اللَّهُ " أي: عظم وتعالى, وكثر خيره وإحسانه.
فتبارك في نفسه, لعظمة أوصافه وكمالها.
وبارك في غيره بإحلال الخير الجزيل, والبر الكثير.
فكل بركة في الكون, فمن آثار رحمته, ولهذا قال: " تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ " .
ولما ذكر من عظمته وجلاله, ما يدل ذوي الألباب على أنه وحده, المعبود المقصود في الحوائج كلها, أمر بما يترتب على ذلك فقال: " ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا " إلى " مِنَ الْمُحْسِنِينَ " .