وفي هذا دليل على عذاب البرزخ ونعيمه.
فإن هذا الخطاب, والعذاب الموجه إليهم إنما هو عند الاحتضار, وقبيل الموت وبعده.
وفيه دليل, على أن الروح جسم, يدخل ويخرج, ويخاطب, ويساكن الجسد, ويفارقه, فهذه حالهم في البرزخ.
وأما يوم القيامة, فإنهم إذا وردوها, وردوها مفلسين فرادى بلا أهل ولا مال, ولا أولاد ولا جنود, ولا أنصار, كما خلقهم الله أول مرة, عارين من كل شيء.
فإن الأشياء, إنما تتمول وتحصل, بعد ذلك, بأسبابها, التي هي أسبابها.
وفي ذلك اليوم تنقطع جميع الأمور, التي كانت مع العبد في الدنيا, سوى العمل الصالح والعمل السيئ, الذي هو مادة الدار الآخرة, الذي تنشأ عنه, ويكون حسنها وقبحها, وسرورها وغمومها, وعذابها ونعيمها, بحسب الأعمال.
فهي التي تنفع, أو تضر, وتسوء أو تسر.
وما سواها, من الأهل والولد, والمال والأنصار, فعوار خارجية, وأوصاف زائلة, وأحوال حائلة, ولهذا قال تعالى: " وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ " أي: أعطيناكم, وأنعمنا به عليكم " وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ " لا يغنون عنكم شيئا: " وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ " .
فإن المشركين يشركون بالله, ويعبدون معه الملائكة, والأنبياء, والصالحين, وغيرهم.
وهم كلهم لله, ولكنهم يجعلون لهذه المخلوقات نصيبا من أنفسهم, وشركة, في عبادتهم.
وهذا زعم منهم وظلم فإن الجميع, عبيد لله, والله مالكهم, والمستحق لعبادتهم.
فشركهم في العبادة وصرفها لبعض العبيد, تنزيل لهم منزلة الخالق لذلك, فيوبخون يوم القيامة ويقال لهم هذه المقالة.
" وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ " .
أي: تقطعت الوصل والأسباب بينكم وبين شركائكم, من الشفاعة وغيرها فلم تنفع ولم تجد شيئا.
" وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ " من الربح, والأمن والسعادة, والنجاة, التي زينها لكم الشيطان, وحسنها في قلوبكم, فنطقت بها ألسنتكم.
واغتررتم: بهذا الزعم الباطل, الذي لا حقيقة له, حين تبين لكم نقيض ما كنتم تزعمون.
وظهر أنكم الخاسرون لأنفسكم, وأهليكم, وأموالكم.