يخبر تعالى, عما عليه المشركون المكذبون للنبي صلى الله عليه وسلم, من سفاهة العقل, وخفة الأحلام, والجهل البليغ.
وعدد تبارك وتعالى شيئا من خرافاتهم, لينبه بذلك, على ضلالهم, والحذر منهم, وأن معارضة أمثال هؤلاء السفهاء للحق, الذي جاء به الرسول, لا تقدح فيه أصلا فإنهم لا أهلية, لهم في مقابلة الحق.
فذكر من ذلك أنهم جعلوا " لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا " ولشركائهم من ذلك نصيبا.
والحال أن الله تعالى, الذي ذرأه للعباد, وأوجده رزقا, فجمعوا بين محذورين محظورين بل ثلاثة محاذير.
منتهم على الله, في جعلهم له نصيبا, مع اعتقادهم أن ذلك منهم, تبرع.
وإشراك الشركاء, الذين لم يرزقوهم, ولم يوجدوا لهم شيئا في ذلك.
وحكمهم الجائر, في أن ما كان لله, لم يبالوا به, ولم يهتموا, ولو كان واصلا إلى الشركاء.
وما كان لشركائهم اعتنوا به, واحتفظوا به, لم يصل إلى الله, منه شيء.
وذلك أنهم إذا حصل لهم - من زروعهم وثمارهم وأنعامهم, التي أوجدها الله لهم - شيء جعلوه قسمين: قسما قالوا: هذا لله بقولهم وزعمهم, وإلا فالله لا يقبل إلا ما كان خالصا لوجهه, ولا يقبل عمل من أشرك به.
وقسما, جعلوه حصة شركائهم من الأوثان والأنداد.
قإن وصل شيء مما جعلوه لله, واختلط بما جعلوه لغيره, لم يبالوا بذلك.
وقالوا: الله غني عنه, فلا يردونه.
وإن وصل شيء مما جعلوه لآلهتهم إلى ما جعلوه لله, ردوه إلى محله.
وقالوا: إنها فقيرة, لا بد من رد نصيبها.
فهل أسوأ من هذا الحكم.
وأظلم؟!! حيث جعلوا ما للمخلوق, يجتهد فيه وينصح, ويحفظ, أكثر مما يفعل بحق الله.
ويحتمل أن تأويل الآية الكريمة, ما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال عن الله تعالى أنه قال: " أنا أغنى الشركاء عن الشرك, من أشرك معي شيئا تركته وشركه " .
وأن معنى الآية أن ما جعلوه, وتقربوا به لأوثانهم, فهو تقرب خالص لغير الله, ليس لله منه شيء.
وما جعلوه لله - على زعمهم - فإنه لا يصل إليه لكونه شركا, بل يكون حظ الشركاء والأنداد, لأن الله غني عنه, لا يقبل العمل الذي أشرك به معه أحد من الخلق.