" لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ " لعظمته, وجلاله وكماله.
أي: لا تحيط به الأبصار, وإن كانت تراه في الآخرة, وتفرح بالنظر إلى وجهه الكريم.
فنفي الإدراك, لا ينفي الرؤية, بل يثبتها بالمفهوم.
فإنه إذا نفى الإدراك, الذي هو أخص أوصاف الرؤية, دل على أن الرؤية ثابتة.
فإنه لو أراد نفي الرؤية, لقال " لا تراه الأبصار " ونحو ذلك.
فعلم أنه ليس في الآية, حجة لمذهب المعطلة, الذين ينفون رؤية ربهم في الآخرة.
بل فيها ما يدل على نقيض قولهم.
" وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ " أي: هو الذي أحاط علمه, بالظواهر والبواطن, وسمعه, بجميع الأصوات الظاهرة, والخفية وبصره, بجميع المبصرات, صغارها, وكبارها, ولهذا قال: " وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ " الذي لطف علمه وخبرته, ودق, حتى أدرك السرائر والخفايا, والخبايا, والبواطن.
ومن لطفه, أنه يسوق عبده إلى مصالح دينه, ويوصلها إليه بالطرق, التي لا يشعر بها العبد, ولا يسعى فيها.
ويوصله إلى السعادة الأبدية, والفلاح السرمدي, من حيث لا يحتسب.
حتى أنه يقدر عليه الأمور, التي يكرهها العبد, ويتألم منها, ويدعو الله أن يزيلها, لعلمه أن دينه أصلح, وأن كماله متوقف عليها.
فسبحان اللطيف لما يشاء, الرحيم بالمؤمنين.