ثم إن الله, استثنى من قتال هؤلاء المنافقين, ثلاث فرق: فرقتين أمر بتركهم, وحتم على ذلك.
إحداهما, من يصل إلى قوم, بينهم وبين المسلمين, عهد وميثاق بترك القتال, فينضم إليهم, فيكون له حكمهم, في حقن الدم والمال.
والفرقة الثانية قوم " حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ " .
أي: بقوا, لا تسمح أنفسهم بقتالكم, ولا قتال قومهم, وأحبوا ترك قتال الفريقين.
فهؤلاء أيضا, أمر بتركهم, وذكر الحكمة في ذلك بقوله: " وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ " فإن الأمور الممكنة ثلاثة أقسام: إما أن يكونوا معكم, ويقاتلوا أعداءكم: وهذا متعذر من هؤلاء.
فدار الأمر, بين قتالكم مع قومهم, وبين ترك قتال الفريقين, وهو أهون الأمرين عليكم, والله قادر على تسليطهم عليكم.
فاقبلوا العافية, واحمدوا ربكم الذي كف أيديهم عنكم, مع التمكن من ذلك.
فـهؤلاء إن " اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا " .