هذا في بيان الحث على الهجرة, والترغيب, وبيان ما فيها من المصالح, فوعد الصادق في وعده, أن من هاجر في سبيله, ابتغاء مرضاته, أنه يجد مراغما في الأرض وسعة, فالمراغم مشتمل على مصالح الدين والسعة على مصالح الدنيا.
وذلك أن كثيرا من الناس يتوهم أن في الهجرة شتاتا بعد الألفة, وفقرا بعد الغنى, وذلك بعد العز, وشدة بعد الرخاء.
والأمر ليس كذلك, فإن المؤمن, ما دام بين أظهر المشركين, فدينه في غاية النقص, لا في العبادات القاصرة عليه, كالصلاة ونحوها, ولا في العبادات المتعدية, كالجهاد بالقول والفعل, وتوابع ذلك, لعدم تمكنه من من ذلك, وهو بصدد أن يفتن عن دينه, خصوصا, إن كان مستضعفا.
فإذا هاجر في سبيل الله, تمكن من إقامة دين الله, وجهاد أعداء الله, ومراغمتهم.
فإن المراغمة اسم جامع لكل ما يحصل به إغاظة لأعداء الله, من قول وفعل.
وكذلك ما يحصل له سعة في رزقه, وقد وقع كما أخبر الله تعالى.
واعتبر ذلك بالصحابة رضي الله عنهم, فإنهم لما هاجروا في سبيل الله وتركوا ديارهم, وأولادهم, وأموالهم لله, كمل بذلك إيمانهم, وحصل لهم من الإيمان التام, والجهاد العظيم, والنصر لدين الله, ما كانوا به أئمة لمن بعدهم.
وكذلك حصل لهم, ما يترتب على ذلك من الفتوحات والغنائم, ما كانوا به أغنى الناس.
وهكذا كل من فعل فعلهم, يحصل لهم ما حصل لهم, إلى يوم القيامة.
ثم قال " وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ " أي: قاصدا ربه, ورضاه, ومحبته لرسوله, ونصرا لدين الله, لا لغير ذلك من المقاصد.
" ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ " بقتل أو غيره.
" فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ " أي: فقد حصل له أجر المهاجر, الذي أدرك مقصوده بضمان الله تعالى.
وذلك, لأنه نوى وجزم, وحصل منه ابتداء, وشروع في العمل.
فمن رحمة الله به وبأمثاله, أن أعطاهم أجرهم كاملا, ولو لم يكملوا العمل وغفر لهم, ما حصل منهم من التقصير في الهجرة وغيرها.
ولهذا ختم هذه الآية بهذين الاسمين الكريمين فقال: " وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا " يغفر للمؤمنين, ما اقترفوه من الخطيئات, خصوصا, التائبين المنيبين إلى ربهم.
" رَحِيمًا " بجميع الخلق, رحمة أوجدتهم وعافتهم, ورزقتهم من المال والبنين والقوة, وغير ذلك.
رحيما بالمؤمنين, حيث وفقهم للإيمان, وعلمهم من العلم, ما يحصل به الإيقان, ويسر لهم أسباب السعادة والفلاح, وما به يدركون غاية الأرباح.
وسيرون من رحمته وكرمه, ما لا عين رأت, ولا أذن سمعت, ولا خطر على قلب بشر.
فنسأل الله, أن لا يحرمنا خيره, بشر ما عندنا.