هذا من منة الله على هذه الأمة, حيث أخبرهم بمكر أعدائهم من أهل الكتاب, وأنهم - من حرصهم على إضلال المؤمنين - ينوعون المنكرات الخبيثة.
فقالت طائفة منهم " آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ " أي: أوله, وارجعوا عن دينهم آخر النهار, فإنهم - إذا رأوكم راجعين, وهم يعتقدون فيكم العلم - استرابوا بدينهم.
وقالوا: لولا أنهم رأوا فيه ما لا يعجبهم, ولا يوافق الكتب السابقة, لم يرجعوا.
هذا مكرهم, والله تعالى هو الذي يهدي من يشاء, وهو الذي بيده الفضل, يختص به من يشاء.
فخصكم - يا هذه الأمة - بما لم يخص به غيركم.
ولم يدر هؤلاء الماكرون, أن دين الله حق, إذا وصلت حقيقته إلى القلوب, لم يزدد صاحبه - على طول المدى - إلا إيمانا ويقينا.
ولم تزده الشبه, إلا تمسكا لدينه, وحمدا لله, وثناء عليه حيث من به عليه.
وقولهم " أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ " .
يعني: أن الذي حملهم على هذه الأعمال المنكرة, الحسد والبغي, وخشية الاحتجاج عليهم.
كما قال تعالى " وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ " الآية.