يذكرهم تعالى حالهم, في وقت انهزامهم عن القتال, وبعاتبهم على ذلك فقال " إِذْ تُصْعِدُونَ " أي: تجدون في الهرب " وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ " أي: لا يلوي أحد منكم على أحد, ولا ينظر إليه.
بل ليس لكم هم إلا الفرار, والنجاء من القتال.
والحال أنه ليس عليكم خطر كبير.
إذ لستم آخر الناس, مما يلي الأعداء, ويباشر الهيجاء.
بل " وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ " أي: مما يلي القوم يقول: " إلي عباد الله " .
فلم تلتفتوا إليه, ولا عرجتم عليه, فالفرار نفسه, موجب للوم.
ودعوة الرسول الموجبة لتقديمه على النفس, أعظم لوما, بتخلفكم عنها.
" فَأَثَابَكُمْ " أي: جازاكم على فعلكم " غَمًّا بِغَمٍّ " أي: غما يتبعه غم.
غم بفوات النصر وفوات الغنيمة, وغم بانهزامكم, وغم, أنساكم كل غم, وهو سماعكم أن محمدا صلى الله عليه وسلم قد قتل.
ولكن الله - بلطفه, وحسن نظره لعباده - جعل اجتماع هذه الأمور لعباده المؤمنين, خيرا لهم فقال: " لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ " من النصر والظفر.
" وَلَا مَا أَصَابَكُمْ " من الهزيمة والقتل والجراح, إذا تحققتم أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقتل, هانت عليكم تلك المصيبات, واغتبطتم بوجوده.
المسلي عن كل مصيبة ومحنة.
فلله ما في ضمن البلايا والمحن, من الأسرار والحكم.
وكل هذا صادر عن علمه وكمال خبرته بأعمالكم, وظواهركم, وبواطنكم.
ولهذا قال: " وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ " .
ويحتمل أن معنى قوله " لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ " .
يعني: أنه قدر ذلك الغم والمصيبة عليكم, لكي تتوطن نفوسكم, وتمرنوا على الصبر على المصيبات, ويخف عليكم تحمل المشقات.