ثم قال تعالى: " وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ " إلى " وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ " .
يقول تعالى " وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ " .
أي.
ليس ببدع من الرسل, بل هو من جنس الرسل الذين قبله.
وظيفتهم تبليغ رسالة ربهم, وتنفيذ أوامره.
ليسوا بمخلدين, وليس بقاؤهم شرطا في امتثال أوامر الله.
بل الواجب على الأمم, عبادة ربهم في كل وقت وبكل حال.
ولهذا قال " أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ " بترك ما جاءكم به, من إيمان أو جهاد, أو غير ذلك.
قال الله تعالى " وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا " إنما يضر نفسه.
وإلا, فالله تعالى غني عنه, وسيقيم دينه, ويعز عباده المؤمنين.
فلما وبخ تعالى, من انقلب على عقبيه, مدح من ثبت مع رسوله, وامتثل أمر ربه فقال " وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ " .
والشكر لا يكون إلا بالقيام بعبودية الله تعالى, في كل حال.
وفي هذه الآية الكريمة, إرشاد من الله تعالى لعباده, أن يكونوا بحالة, لا يزعزعها عن إيمانهم, أو عن بعض لوازمه, فقد رئيس ولو عظم.
وما ذاك إلا بالاستعداد في كل أمر من أمور الدين, بعدة أناس من أهل الكفاءة فيه, إذا فقد أحدهم, قام به غيره.
وأن يكون عموم المؤمنين, قصدهم إقامة دين الله, والجهاد عنه, بحسب الإمكان.
لا يكون لهم قصد, في رئيس دون رئيس.
فبهذه الحال, يستتب لهم أمرهم, وتستقيم أمورهم.
وفي هذه الآية أيضا, أعظم دليل على فضيلة الصديق الأكبر, أبي بكر, وأصحابه الذين قاتلوا المرتدين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم, لأنهم هم سادات الشاكرين.
ثم أخبر تعالى أن النفوس جميعها, معلقة بآجالها, بإذن الله.
وقدره وقضائه.
فمن حتم عليه بالقدر أن يموت, مات ولو بغير سبب.
ومن أراد بقاءه, فلو وقع من الأسباب كل سبب, لم يضره ذلك قبل بلوغ أجله.
وذلك أن الله قضاه, وقدره, وكتبه إلى أجل مسمى.
" إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون عنه ساعة ولا يستقدمون " .