نبه تعالى عباده على عظمته, وكمال سلطانه, وافتقار جميع المخلوقات إليه, في ربوبيتها, وعبادتها فقال: " أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ " من حيوان وجماد " وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ " أي: صافات أجنحتها, في السماء, تسبح ربها.
" كُلِّ " من هذه المخلوقات " قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ " أي: كل له, صلاة وعبادة بحسب حاله اللائقة به.
وقد ألهمه الله تلك الصلاة والتسبيح, إما بواسطة الرسل, كالجن والإنس, والملائكة.
وأما بإلهام منه تعالى, كسائر المخلوقات غير ذلك.
وهذا الاحتمال, أرجح, بدليل قوله " وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ " .
أي: علم جميع أفعالهم, فلا يخف عليه منها شيء, وسيجازيهم بذلك.
فيكون على هذا, قد جمع بين علمه بأعمالهم, وذلك بتعليمه, وبين علمه بمقاصدهم المتضمن للجزاء.
ويحتمل أن الضمير في قوله: " قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ " يعود إلى الله, وأن الله تعالى, قد علم عبادتهم, وإن لم تعلموا - أيها العباد - منها, إلا ما أطلعكم الله عليه.
وهذه الآية كقوله تعالى " تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا " .