يخبر تعالى أن من أتاه, وقدم عليه مجرما - أي: وصفه الجرم من كل وجه, وذلك يستلزم الكفر - استمر على ذلك حتى مات, فإن له نار جهنم, الشديد نكالها, العظيمة أغلالها, البعيد قعرها, الأليم حرها وقرها, التي فيها من العقاب, ما يذيب الأكباد والقلوب.
ومن شدة ذلك, أن المعذب فيها, لا يموت ولا يحيا, لا يموت فيستريح ولا يحيا حياة يتلذذ بها, وإنما حياته, محشوة بعذاب القلب, والروح, والبدن, الذي لا يقدر قدره, ولا يفتر عنه ساعة, يستغيث فلا يغاث, ويدعو فلا يستجاب له.
نعم إذا استغاث, أغيث بماء كالمهل, يشوي الوجوه, وإذا دعا, أجيب بـ " اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ " .
ومن يأت ربه مؤمنا به مصدقا لرسله, متبعا لكتبه " قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ " الواجبة والمستحبة, " فَأُولَئِكَ لَهُمُالدَّرَجَاتُ الْعُلَا " أي: المنازل العاليات, في الغرف المزخرفات, واللذات المتواصلات, والأنهار السارحات, والخلود الدائم, والسرور العظيم, فيما لا عين رأت, ولا أذن سمعت, ولا خطر كل قلب بشر.
" وَذَلِكَ " الثواب, " جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى " أي: تطهر من الشرك, والكفر, والفسوق, والعصيان.
إما أن لا يفعلها بالكلية, أو يتوب مما فعله منها.
وزكى أيضا نفسه, ونماها بالإيمان والعمل الصالح.
فإن للتزكية معنيين, التنقية, وإزالة الخبث, والزيادة بحصول الخير.
وسميت الزكاة زكاة, لهذين الأمرين.