يخبر الباري أنه فاوت بين الرسل في الفضائل الجليلة, والتخصيصات الجميلة, بحسب ما من الله به عليهم, وقاموا به من الإيمان الكامل; واليقين الراسخ, والأخلاق العالية, والآداب السامية, والدعوة, والتعليم والنفع العميم: فمنهم: من اتخذه خليلا, ومنهم: من كلمه تكليما, ومنهم: من رفعه فوق الخلائق درجات.
وجميعهم لا سبيل لأحد من البشر, إلى الوصول, لفضلهم الشامخ.
وخص عيسى بن مريم, أنه آتاه البينات الدالة على أنه رسول الله حقا, وعبده صدقا, وأن ما جاء به عن عند الله كله حق.
فجعله يبرئ الأكمة والأبرص; ويحيي الموتى بإذن الله وكلم الناس في المهد صبيا, وأيده بروح القدس, أي بروح الإيمان.
فجعل روحانيته فائقة روحانية غيره, فحصل له بذلك, القوة والتأييد, وإن كان أصل التأييد بهذه الروح عاما لكل مؤمن, بحسب إيمانه كما قال " وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ " لكن ما لعيسى أعظم, مما لغيره, لهذا خصه الله بالذكر.
وقيل: إن روح القدس - هنا - جبريل, أيده الله بإعانته ومؤازرته لكن المعنى الأصح, هو الأول.
ولما أخبر عن كمال الرسل, وما أعطاهم من الفضل والخصائص, وأن دينهم واحد, ودعوتهم إلى الخير واحدة, كان موجب ذلك ومقتضاه, أن تجتمع الأمم على تصديقهم, والانقياد لهم, لما آتاهم من البينات التي على مثلها, يؤمن البشر.
لكن أكثرهم, انحرفوا عن الصراط المستقيم, ووقع الاختلاف بين الأمم.
فمنهم من آمن; ومنهم من كفر.
ووقع لأجل ذلك; الاقتتال الذي; هو موجب الاختلاف والتعادي.
ولو شاء الله لجمعهم على الهدى; فما اختلفوا.
ولو شاء الله أيضا - بعدما وقع الاختلاف الموجب للاقتتال - ما اقتتلوا.
ولكن حكمته; اقتضت جريان الأمور على هذا النظام بحسب الأسباب.
ففي هذه الآية أكبر شاهد على أنه تعالى, يتصرف في جميع الأسباب لمسبباتها.
وأنه إن شاء أبقاها, وإن شاء منعها.
وكل ذلك تبع لحكمته وحده, فإنه فعال لما يريد.
فليس لإرادته ومشيئته, ممانع ولا معارض ولا معاون.