فلما بين هذه القصة قال لرسوله صلى الله عليه وسلم.
" تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ " .
ومن جملة الأدلة على رسالته, هذه القصة, حيث أخبر بها وحيا من الله, مطابقا للواقع.
وفي هذه القصة, عبر كثيرة للأمة.
منها: فضيلة الجهاد في سبيله, وفوائده, وثمراته, وأنه السبب الوحيد في حفظ الدين, وحفظ الأوطان, وحفظ الأبدان والأموال.
وأن المجاهدين, ولو شقت عليهم الأمور, فإن عواقبهم حميدة, كما أن الناكلين, ولو استراحوا قليلا, فإنهم سيتعبون طويلا.
ومنها: الانتداب لرياسة من فيه كفاءة, وأن الكفاءة ترجع إلى أمرين.
إلى العلم الذي هو علم السياسة والتدبير.
وإلى القوة التي ينفذ بها الحق.
وأن من اجتمع فيه الأمران, فهو أحق من غيره.
ومنها الاستدلال بهذه القصة, على ما قاله العلماء, أنه ينبغي للأمير للجيوش, أن يتفقدها عند فصولها, فيمنع من لا يصلح للقتال, من رجال وخيل وركاب, لضعفه, أو ضعف صبره, أو لتخذيله, أو خوف الضرر بصحبته.
فإن هذا القسم ضرر محض على الناس.
ومنها: أنه ينبغي عند حضور اليأس, تقوية المجاهدين, وتشجيعهم, وحثهم على القوة الإيمانية, والاتكال الكامل على الله, والاعتماد عليه, وسؤال الله التثبيت, والإعانة على الصبر والنصر على الأعداء.
ومنها: أن العزم على القتال والجهاد, غير حقيقته.
فقد يعزم الإنسان, ولكن عند حضوره, تنحل عزيمته ولهذا كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم.
" أسألك الثبات في الأمر, والعزيمة على الرشد " .
فهؤلاء الذين عزموا على القتال, وأتوا بكلام يدل على العزم المصمم, لما جاء الوقت, نكص أكثرهم.
ويشبه هذا قوله صلى الله عليه وسلم " وأسألك الرضا بعد القضاء " .
لأن الرضا بعد وقوع القضاء المكروه للنفوس, هو الرضا الحقيقي.