كان الطلاق في الجاهلية, واستمر أول الإسلام, هو أن يطلق الرجل زوجته بلا نهاية.
فكان إذا أراد مضارتها, طلقها, فإذا شارفت انقضاء عدتها, راجعها, ثم طلقها وصنع بها مثل ذلك أبدا, فيحصل عليها من الضرر ما الله به عليم.
فأخبر تعالى أن " الطَّلَاقَ " أي الذي تحصل به الرجعة " مَرَّتَانِ " .
ليتمكن الزوج - إن لم يرد المضارة - من ارتجاعها, ويراجع رأيه في هذه المدة.
وأما ما فوقها, فليس محلا لذلك, لأن من زاد على الثنتين, فإما متجرئ على المحرم, أو ليس له رغبة في إمساكها, بل قصده المضارة.
فلهذا أمر تعالى الزوج, أن يمسك زوجته " بِمَعْرُوفٍ " أي: عشرة حسنة, ويجري مجرى أمثاله مع زوجاتهم, وهذا هو الأرجح, وإلا يسرحها ويفارقها " بِإِحْسَانٍ " , ومن الإحسان, أن لا يأخذ على فراقه لها شيئا من ماله, لأنه ظلم, وأخذ للمال في غير مقابلة بشيء, فلهذا قال: " وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ " وهي المخالعة بالمعروف, بأن كرهت الزوجة زوجها, لخلقه أو خلقه أو نقص دينه, وخافت أن لا تطيع الله فيه.
" فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ " لأنه عوض لتحصيل مقصودها من الفرقة.
وفي هذا مشروعية الخلع, إذا وجدت هذه الحكمة.
" تِلْكَ " أي ما تقدم من الأحكام الشرعية " حُدُودُ اللَّهِ " أي: أحكامه التي شرعها لكم, وأمر بالوقوف معها.
" وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ " وأي ظلم أعظم ممن اقتحم الحلال, وتعدى منه إلى الحرام, فلم يسعه ما أحل الله؟ والظلم ثلاثة أقسام: ظلم العبد فيما بينه وبين الله, وظلم العبد الأكبر الذي هو الشرك, وظلم العبد فيما بينه وبين الخلق.
فالشرك, لا يغفره الله بالتوبة, وحقوق العباد, لا يترك الله منها شيئا.
والظلم الذي بين العبد وربه فيما دون الشرك, تحت المشيئة والحكمة