" فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا " أي: سترا ومانعا.
وهذا التباعد منها, واتخاذ الحجاب, لتعتزل, وتنفرد بعبادة ربها, وتقنت له في حالة الإخلاص والخضوع, والذل لله تعالى, وذلك امتثال منها لقوله تعالى: " وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ " .
" فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا " وهو: جبريل عليه السلام " فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا " أي: كاملا من الرجال, في صورة جميلة, وهيئة حسنة, لا عيب فيه ولا نقص, لكونها لا تحتمل رؤيته على ما هو عليه.
فلما رأته في هذه الحال, وهي معتزلة عن أهلها, منفردة عن الناس, قد اتخذت الحجاب عن أعز الناس عليها, وأهلها, خافت أن يكون رجلا قد تعرض لها بسوء, وطمع فيها, فاعتصمت بربها, واستعاذت منه فقالت له: