ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم, حريصا على هداية الخلق, ساعيا في ذلك أعظم السعي, فكان صلى الله عليه وسلم, يفرح ويسر بهداية المتدين, ويحزن ويأسف على المكذبين الضالين, شفقة منه صلى الله عليه وسلم, عليهم ورحمة بهم, أرشده الله أن لا يشغل نفسه بالأسف على هؤلاء, الذين لا يؤمنون بهذا القرآن, كما قال في الأخرى.
" ولعلك باخع نفسك أن لا يكونوا مؤمنين " .
وقال " فلا تذهب نفسك عليهم حسرات " وهنا قال " فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ " أي: مهلكها, غما وأسفا عليهم, وذلك أن أجرك, قد وجب على الله.
وهؤلاء لو علم الله فيهم خيرا, لهداهم.
ولكنه علم أنهم لا يصلحون إلا للنار, فلذلك خذلهم, فلم يهتدوا.
فإشغالك نفسك غما وأسفا عليهم, ليس فيه فائدة لك.
وفي هذه الآية ونحوها عبرة.
فإن المأمور بدعاء الخلق إلى الله, عليه التبليغ, والسعي بكل سبب يوصل إلى الهداية, وسد طرق الضلال والغواية بغاية ما يمكنه, مع التوكل على الله في ذلك, فإن اهتدوا فبها ونعمت, وإلا فلا يحزن ولا يأسف.
فإن ذلك مضعف للنفس, هادم للقوى, ليس فيه فائدة, بل يمضي على فعله, الذي كلف به وتوجه إليه.
وما عدا ذلك, فهو خارج عن قدرته.
وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول الله له: " إنك لا تهدي من أحببت " وموسى عليه السلام يقول: " رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي " الآية, فمن عداهم من باب أولى وأحرى, قال تعالى: " فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر " .