أي: فقال صاحب الجنتين لصاحبه المؤمن, وهما يتحاوران, أي يتراجعان الكلام بينهما في بعض المجريات المعتادة, مفتخرا عليه: " أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا " فخر بكثرة ماله, وعزة أنصاره, من عبيد, وخدم, وأقارب, وهذا جهل منه.
وإلا فأي افتخار بأمر خارجي ليس فيه فضيلة نفسية, ولا صفة معنوية.
وإنما هو بمنزله فخر الصبي بالأماني, التي لا حقائق تحتها.
ثم لم يكفه هذا الأفتخار على صاحبه, حتى يحكم, بجهله وظلمه, وظن لما دخل جنته.
ف " قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ " أي: تنقطع وتضمحل " هَذِهِ أَبَدًا " .
فاطمأن إلى هذه الدنيا, ورضى بها, وأنكر البعث, فقال: " وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي " على ضرب المثل " لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا " أي ليعطيني خيرا من هاتين الجنتين, وهذا لا يخلو من أمرين.
إما أن يكون عالما بحقيقة الحال, فيكون كلامه هذا على وجه التهكم والاستهزاء فيكون زيادة كفر إلى كفره.
وإما أن يكون هذا ظنه في الحقيقة, فيكون من أجهل الناس, وأبخسهم حظا من العقل.
فأي تلازم بين عطاء الدنيا, وعطاء الآخرة, حتى يظن بجهله, أن من أعطى في الدنيا, أعطى في الآخرة.
بل الغالب, أن الله تعالى يزوي الدنيا عن أوليائه وأصفيائه, ويوسعها على أعدائه, الذين ليس لهم في الآخرة نصيب.
والظاهر أنه يعلم حقيقة الحال, ولكنه قال هذا الكلام, على وجه التهكم والاستهزاء, بدليل قوله: " وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ " .
فإثبات أن وصفه الظلم, في حال دخوله, الذي جرى منه, من القول ما جرى, يدل على تمرده وعناده.