" رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ " وذلك أنه أتى ب " هاجر " أم إسماعيل وبابنها إسماعيل, عليه الصلاة والسلام, وهو في الرضاع, من الشام, حتى وضعهما في مكة, وهي - إذ ذاك - ليس فيها سكن, ولا داع, ولا مجيب.
فلما وضعهما, دعا ربه بهذا الدعاء, فقال - متضرعا متوكلا على ربه: " رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي " أي: لا كل ذريتي, لأن إسحاق في الشام, وباقي بنيه كذلك, وإنما أسكن في مكة, إسماعيل وذريته.
وقوله: " بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ " أي: لأن أرض مكة لم يكن فيها ماء.
" رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ " أي: اجعلهم موحدين مقيمين الصلاة, لأن إقامة الصلاة من أخص, وأفضل العبادات الدينية, فمن أقامها, كان مقيما لدينه.
" فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ " أي: تحبهم, وتحب الموضع الذي هم ساكنون فيه.
فأجاب الله دعاءه, فأخرج من ذرية إسماعيل, محمدا صلى الله عليه وسلم, حتى دعا ذريته إلى الدين الإسلامي, وإلى ملة أبيهم إبراهيم, فاستجابوا له وصاروا مقيمي الصلاة.
وافترض الله حج هذا البيت, الذي أسكن به ذرية إبراهيم, وجعل فيه سرا عجيبا, جاذبا للقلوب, فهي تحجه, ولا تقضي منه وطرا على الدوام.
بل كلما أكثر العبد التردد إليه, ازداد شوقه, وعظم ولعه وتوقه.
وهذا سر إضافته تعالى إلى نفسه المقدسة.
" وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ " فأجاب الله دعاءه.
فصار يجبي إليه, ثمرات كل شيء.
فإنك ترى مكة المشرفة كل وقت, والثمار فيها متوفرة, والأرزاق تتوالى إليها من كل جانب.