ولما مدح ما اشتمل عليه هذا القرآن, من القصص, وأنه أحسن القصص على الإطلاق, فلا يوجد من القصص, في شيء من الكتب, مثل هذا القرآن, ذكر قصه يوسف, وأبيه, وإخوته, القصة العجيبة الحسنة.
فقال: " إِذْ قَالَ يُوسُفُ " إلى " إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ " .
واعلم أن الله ذكر أنه يقص على رسوله, أحسن القصص في هذا الكتاب.
ثم ذكر هذه القصة, وبسطها, وذكر ما جرى فيها, فعلم بذلك, أنها قصة تامة, كاملة حسنة.
فمن أراد أن يكملها أو يحسنها, بما يذكر في الإسرائيليات, التي لا يعرف لها سند, ولا ناقل, وأغلبها كذب, فهو مستدرك على الله, ومكمل لشيء, يزعم أنه ناقص.
وحسبك بأمر ينتهي إلى هذا الحد قبحا, فإن تضاعيف هذه السورة, قد ملئت في كثير من التفاسير, من الأكاذيب, والأمور الشنيعة المناقضة, لما قصه الله تعالى بشيء كثير.
فعلى العبد أن يفهم عن الله, ما قصه, ويدع, ما سوى ذلك, مما ليس عن النبي صلى الله عليه وسلم, ينقل.
فقوله تعالى: " إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ " يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل, عليهم الصلاة والسلام: " يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ " .
فكانت هذه الرؤيا, مقدمة لما وصل إليه يوسف عليه السلام, من الارتفاع في الدينا والآخرة.
وهكذا إذا أراد الله أمرا من الأصول العظام, قدم بين يديه مقدمة, توطئة له, وتسهيلا لأمره, واستعدادا لما يرد على العبد من المشاق, ولطفا بعبده, وإحسانا إليه.
فأولها يعقوب, بأن الشمس: أمه, والقمر أبوه, والكواكب, إخوته.
وأنه ستنتقل به الأحول إلى أن يصير إلى حال يخضعون له, ويسجدون له, إكراما وإعظاما.
وأن ذلك لا يكون, إلا بأسباب تتقدمه من اجتباء الله له, واصطفائه إياه, وإتمام نعمته عليه, بالعلم والعمل, والتمكين في الأرض.
وأن هذه النعمة ستشمل آل يعقوب, الذين سجدوا له, وصاروا تبعا له فيها ولهذا قال: " وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ "