" وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ " أي: أنزلهم الله وأسكنهم في مساكن آل فرعون, وأورثهم أرضهم وديارهم.
" وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ " من المطاعم والمشارب وغيرهما " فَمَا اخْتَلَفُوا " في الحق " حَتَّى جَاءَهُمُ الْعِلْمُ " الموجب لاجتماعهم وائتلافهم.
ولكن بغى بعضهم على بعض, وصار لكثير منهم أهوية وأغراض تخالف الحق, فحصل بينهم من الاختلاف شيء كثير.
" إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ " بحكمة العدل الناشئ على علمه التام, وقدرته الشاملة.
وهذا هو الداء, الذي يعرض لأهل الدين الصحيح.
وهو: أن الشيطان إذا أعجزه أن يطيعوه في ترك الدين بالكلية, سعى في التحريش بينهم, وإلقاء العداوة والبغضاء, فحصل من الاختلاف ما هو موجب ذلك.
ثم حصل من تضليل بعضهم لبعض, وعداوة بعضهم لبعض, ما هو قرة عين اللعين.
وإلا فإذا كان ربهم واحدا, ورسولهم واحدا, ودينهم واحدا, ومصالحهم العامة متفقة, فلأي شيء يختلفون اختلافا, يفرق شملهم, ويشتت أمرهم, ويحل رابطتهم ونظامهم, فيفوت من مصالحهم الدينية والدنيوية ما يفوت, ويموت من دينهم, بسبب ذلك ما يموت؟.
فنسألك اللهم, لطفا بعبادك المؤمنين, يجمع شملهم ويرأب صدعهم, ويرد قاصيهم على دانيهم, يا ذا الجلال والإكرام.