ملخص الخطبة | |
1- كفار قريش يلاحقون بالتهديد المسلمين في المدينة. 2- خروج الصحابة لاعتراض القافلة. 3- هرب القافلة وخروج قريش لقتال المسلمين. 4- ثبات الصحابة وشجاعتهم حين استشارهم النبي في القتال. 5- مواقف في بدر. 6- مناشدة النبي ربه في طلب النصر. 7- مصرع أبي جهل. | |
الخطبة الأولى | |
| |
لما استقر رسول الله وهكذا... هي سنة الحياة, يغيظ الكفار وأذنابهم أن ترتفع راية الإسلام, أو يهنئ أهله بطيب العيش أو رغد الحياة, بل يغيظ الكفار وأذنابهم أن يأكل المسلم أكلة هنية, أو يشرب شربة روية, بل يحسدون المسلمين على هواء نقي يتنفسونه, هذا هو حال الكفار, منذ قام الصراع بين الحق والباطل إلى اليوم, فكفار اليوم هم أبناء الآباء بالأمس, ومنافقو اليوم ورثوا النفاق صاغرًا عن صاغر. فأعداء الملة هم أعداء الملة، وإن أبدوا محبة وأظهروا ولاء, اليهود هم اليهود, والنصارى هم النصارى, وعبدة الأوثان هم هم, لم يتغيروا ولن يتغيروا، ما داموا على ملتهم ودينهم, يكيدون للإسلام, وينصبون العداء له, وإن دافعوا عن الإنسان وحقوقه, أو رفعوا شعارات المساواة والتقريب في جمادى الأولى من السنة الثانية للهجرة خرج رسول الله وعلم أبو سفيان بجواسيسه مسير عسكر المؤمنين فأرسل ضمضم بن عمرو الغفاري إلى مكة, فصرخ ببطن الوادي واقفًا على بعيره, وقد جدع أنفه, وحول رحله, وشق قميصه وهو يقول: يا معشر قريش, اللطيمة. اللطيمة, أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها محمد في أصحابه, لا أرى أن تدركوها, الغوث الغوث. فتحفز الناس سراعًا وتجمع نحو ألف وثلاثمائة مقاتل, في مائة فرس وستمائة درع وجمال كثيرة لا يعرف عددها بقيادة أبي جهل وقد أفلت أبو سفيان بالعير فسار باتجاه الساحل, وأرسل رسالة إلى جيش قريش وهم في الجحفة: إنكم خرجتم لتحرزوا عيركم ورجالكم وأموالكم, وقد نجاها الله فارجعوا, فهم الجيش بالرجوع, عندها قام الطاغية الأشر أبو جهل, فقال: والله لا نرجع حتى نرد بدرًا, فنقيم بها ثلاثًا فننحر الجزور, ونطعم الطعام, ونسقي الخمر, وتعزف لنا القيان, وتسمع بنا العرب وبمسيرنا وجمعنا, فلا يزالون يهابوننا أبدًا, فرجعت بني زهرة وكانوا حوالي ثلاثمائة رجل, فسار الجيش من ألف مقاتل حتى نزل قريبًا من بدر وراء كثيب بالعدوة القصوى. ولما كان الأمر كذلك كان لابد من موقف بطولي شجاع, يرد كيد أهل مكة في نحورهم ويكسر شوكتهم, وتزعزع قلوب فريق من الناس, وخافوا اللقاء واستشار النبي فقال عليه السلام: ((أشيروا عليَّ أيها الناس)) وإنما يريد الأنصار, فقال سعد بن معاذ: والله لكأنك تريدنا يا رسول الله, قال: ((أجل)). فقال سعد: لعلك تخشى أن تكون الأنصار ترى حقًا عليها أن لا تنصرك إلا في ديارهم, وإني أقول عن الأنصار وأجيب عنهم: فاظعن حيث شئت, وصل حبل من شئت, واقطع حبل من شئت, وخذ من أموالنا ما شئت, وأعطنا ما شئت, وما أخذت منا كان أحب إلينا مما تركت, وما أمرت فيه من أمر فأمرنا تبع لأمرك, فوالله لئت سرت حتى تبلغ البرك من غمدان لنسيرن معك, ووالله لئن استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك[3]. الله أكبر, إنه الحب الحقيقي, والولاء الحقيقي, فلا بأس في قاموس العقلاء الصادقين في انتمائهم أن تبذل الأنفس والأموال في سبيل رفع لا إله إلا الله محمد رسول الله, إنه صدق الاتباع، يتمثل في مواقف الصحابة من الرعيل الأول, فلا تلكأ ولا تردد, ولا انهزام, بل اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون, أين هذا من تلك الانهزامية, وذلك التردد, وضعف الولاء عند عدد ليس باليسير من أبناء المسلمين؟! تعلو به أصواتهم في المجالس والمنتديات, أو ترقمه أقلامهم على أعمدة الصحف والمجلات, ولكن نقول ونحن مشفقون عليهم ما حالنا وحالكم إلا كما قال الأول: لا يضر القافلة أن تسير إذ الكلاب تنبح وسر النبي وتحرك النبي في هذه الأثناء بدأت أول بشائر النصر في أرض المعركة, أنزل الله المطر, فكان على المشركين وابلاً شديدًا منعهم من التحرك, وكان على المسلمين طلاً طهرهم الله به, وأذهب عنهم رجس الشيطان, ووطأ به الأرض, وصلب به الرمل, وثبت الأقدام, ومهد به المنزل, وبط به على قلوبهم. وهكذا فالله مع أوليائه يحفظهم ويحرسهم ويحوطهم برعايته, وينصر جنده, وييسر لهم أمورهم, ويذلل العقبات لهم, متى ما ساروا على منهج الحق علمًا وعملاً واعتقادًا وتحرك النبي فنهض عليه السلام بالجيش حتى أتى أقرب ماء من العدو فنزل عليه شطر الليل, واتخذ النبي ثم بات عليه السلام يصلي إلى جذع شجرة, وبات المسلمون ليلهم بهدوء وسكينة, غمرت الثقة قلوبهم, وأخذوا من الراحة قسطهم, يأملون أن يروا بشائر نصر ربهم بأعينهم صباحًا, وأما جيش مكة المشرك فنزل صباحًا على وادي بدر, ودار عمير بن وهب الجمحي على جيش المسلمين ينظر عددهم فرجع إلى قومه وقال: ثلاثمائة رجل يزيدون قليلاً أو ينقصون, ولكني قد رأيت يا معشر قريش البلايا تحمل المنايا, نواضح يثرب تحمل الموت الناقع, قوم ليس معهم منعة ولا ملجأ إلا سيوفهم, والله ما أرى أن يقتل رجل منهم حتى يقتل رجلاً منكم, فإذا أصابوا منكم أعدادكم فما خير العيش بعد ذلك, فروا رأيكم. ولما طلع المشركون, وتراءى الجمعان قال رسول الله وأخذ النبي ثم أمرهم أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
[1] رواه ابن إسحاق في سيرته. سيرة ابن هشام (2/607). [2] رواه ابن إسحاق في سيرته. سيرة ابن هشام (2/621). [3] رواه ابن إسحاق في سيرته. سيرة ابن هشام (2/615). [4] رواه ابن إسحاق في سيرته. سيرة ابن هشام (2/615). [5] رواه ابن إسحاق في سيرته. سيرة ابن هشام (2/617). [6] رواه ابن إسحاق في سيرته. سيرة ابن هشام (2/620). [7] رواه مسلم ح (1779). [8] رواه ابن إسحاق في سيرته. سيرة ابن هشام (2/621). [9] رواه ابن إسحاق في سيرته. سيرة ابن هشام (2/626). [10] رواه ابن إسحاق في سيرته. سيرة ابن هشام (2/625).
| |
الخطبة الثانية | |
ولم يزل رسول الله وبالغ في الابتهال حتى سقط رداؤه عن منكبيه, فرده عليه الصديق وقال: حسبك يا رسول الله ألححت على ربك, وأغفى النبي وأمر عليه السلام بالهجوم وهو يقول: ((والذي نفسي بيده لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابرًا محتسبًا، مقبلاً غير مدبر إلا أدخله الله الجنة, قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض)), فقال عمير بن الحمام: بخ بخ, وأخرج تمرات من قرنه فجعل يأكل منهن ثم قال: لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة, فرمى بها, ثم قاتلهم حتى قتل[5]. قال ابن عباس رضي الله عنه بينما رجل من المسلمين يشتد في إثر رجل من المشركين أمامه إذا سمع ضربة بالسوط فوقه, وصوت الفارس يقول: أقدم حيزوم, فنظر إلى المشرك أمامه! فخر مستلقياً، فنظر إليه، فإذا هو قد خطم أنفه وشق وجهه كضربة السوط فاخضر ذلك أجمع، فجاء الأنصاري فحدث بذلك رسول الله فقال: ((صدقت, ذاك مدد السماء الثالثة)) [6], وقال أبو داود المازني: إني لأتبع رجلاً من المشركين لأضربه إذ وقع رأسه قبل أن يصل إليه سيفي, فعرفت أنه قد قتله غيري. قال عبد الرحمن بن عوف: إني لفي الصف يوم بدر إذ التفت, فإذا عن يميني وعن يساري فتيان حديثا السن إذ قال لي أحدهما سرًا عن صاحبه: يا عم أرني أبا جهل, فقلت: يا ابن أخي, فما تصنع به؟ قال أُخبرت أنه يسب رسول الله قال: فابتدراه بسيفيهما فضرباه حتى قتلاه, ثم انصرفا إلى رسول الله الله أكبر... ألا فليصرخ بمثل هذه المواقف في المجالس والدور, ولتسقى هذه البطولة وتلك الغيرة مع ألبان الأمهات, وليعلم الصغار والكبار كيف تكون العزة والدفاع عن الدين ونصرة الحق, والغيرة على الإسلام من أبنائنا الصغار. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:
|