|
|||
ملخص الخطبة | |||
1- قبائل الطائف تستعد لغزو النبي صلى الله عليه وسلم. 2- استبشار النبي بالنصر. 3- طلب مسلمة الفتح أن يكون لهم ذات أنواط. 4- هزيمة المسلمين أول المعركة. 5- كرة الصحابة بعد فرارهم. 6- توزيع غنائم حنين على الأعراب ومسلمة الفتح. 7- وجد الأنصار في أنفسهم على النبي صلى الله عليه وسلم. | |||
الخطبة الأولى | |||
| |||
وبعد أن تم فتح مكة العظيم حيث أذعنت عامة قبائل العرب عدا بعض القبائل الشرسة القوية المتغطرسة كثقيف وهوازن وغيرها, اجتمعت ورأت من نفسها عزًا وأنفة أن تقابل انتصار المسلمين في مكة بالخضوع, فقادها مالك بن عوف النصري, وقرر المسير إلى حرب المسلمين, وساق مع الناس أموالهم ونساءهم وأبناءهم حتى نزل بأوطاس, وفيهم دريد بن الصمة وكان شيخًا كبيرًا, ليس فيه إلا رأيه ومعرفته بالحرب, فقال: بأي واد أنتم؟ قالوا: بأوطاس, قال: نعم مجال الخيل, لا حزن ضرس, ولا سهل دهس, مالي أسمع رغاء البعير, ونهاق الحمير, وبكاء الصبي, ثغاء الشاء ؟ قالوا: ساق مالك بن عوف مع الناس نساءهم وأموالهم وأبناءهم, فدعا مالكًا وسأله عما حمله على ذلك, فقال: أردت أن أجعل خلف كل رجل أهله وماله ليقاتل عنهم. فقال: رأي ضأن والله, وهل يرد المنهزم شيئًا؟ إنها إن كانت لك لم ينفعك إلا رجل بسيفه ورمحه, وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك, يا مالك: إنك لم تصنع بتقديم بيضة هوازن إلى نحور الخيل شيئًا, ارفعهم إلى ممتنع بلادهم وعلياء قومهم, ثم الق الصباة على متون الخيل, فإن كانت لك لحق بك مَن وراءك, وإن كانت عليك ذلك وقد أحرزت أهلك ومالك, ولكن مالك بن عوف قال: والله لا أفعل, إنك قد كبرت وكبر عقلك, والله لتطيعني هوازن, أو لأتكأن على هذا السيف حتى يخرج من ظهري, وكره أن يكون لدريد فيها ذكر أو رأي, فقالوا: قد أطعناك. وجاءت العيون إلى مالك بن عوف قد تفرقت أوصالهم, قال: ويلكم, ما شأنكم, قالوا: رأينا رجالاً بيضًا على خيل بلق, والله ما تماسكنا أن أصابنا ما ترى. ونقلت الأخبار بمسير العدو إلى رسول الله ففعل, وفي السادس من شوال سنة ثمان من الهجرة, غادر رسول الله ولما كان عشية جاء فارس, فقال: إني طلعت جبل كذا, فإذا أنا بهوازن على بكرة أبيهم بظعنهم ونعمهم وشأنهم, فتبسم رسول الله إنه الدرس العظيم, في الرضا عن الله, والاستبشار بنصر الله, وإعلاء جنده وحزبه, إنه الفأل الحسن مقرونًا بفعل السبب وبذل الوسع, إنه الدرس العظيم في صدق التوكل على الله, والإيمان بموعوده وفتحه. وفي طريقهم إلى حنين رأوا سدرة عظيمة خضراء يقال لها: ذات أنواط, كانت العرب تعلق عليها أسلحتهم, ويذبحون عندها ويعكفون, فقال بعض الجيش لرسول الله وهكذا كان لزامًا على أهل الحق والدعوة أن يعلموا أن أساس الأمر هو توحيد الله, فكل شيء يغتفر في أخطاء الناس إلا ما كان من أمر التوحيد والعقيدة, فالنبي وقد قال بعض المسلمين لما نظر إلى كثرة الجيش: لن نغلب اليوم, فشق ذلك على رسول الله وانتهى الجيش الإسلامي إلى حنين ليلة الأربعاء لعشر خلون من شوال, وكان معسكر الكفار بقيادة مالك بن عوف قد سبقهم, فأدخل جيشه في ذلك الوادي ليلاً, وفرق كمناءه في الطرق والمداخل والشعاب والمضايق, وأمرهم أن يرشقوا المسلمين أول ما يطلعوا, ثم يشدوا شدة رجل واحد, وبالسَحَر عبأ رسول الله فقفل المسلمون راجعين, لا يلوي أحد على أحد, وكانت هزيمة منكرة, حتى قال أبو سفيان رضي الله عنه وهو حديث عهد بإسلام: لا تنتهي هزيمتهم دون البحر الأحمر, وصرخ جبلة بن الجنيد: ألا بطل السحر اليوم, وانحاز رسول الله ((أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب)) بيد أن أبا سفيان بن الحارث كان أخذا بلجام بغلته, والعباس بركابه, يكفانها أن لا تسرع, ثم دعا عليه السلام: ((اللهم أنزل نصرك)) [4]. وأمر عليه السلام عمه العباس وكان جهير الصوت أن ينادي الصحابة فقال بأعلى صوته: أين أصحاب السمرة, قال العباس: فوالله لكأن عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أوادها, فقالوا: لبيك: لبيك, ويذهب الرجل يثني بعيره فلا يقدر عليه, فيأخذ درعه, فيقذفها في عنقه, ويأخذ سيفه وترسه, ويقتحم عن بعيره, ويخلي سبيله فيؤم الصوت حتى إذا اجتمع إليه مائة منهم استقبلوا الناس واقتتلوا ثم نادى الأنصار, يا معشر الأنصار, يا معشر الأنصار فتلاحقت كتائب المسلمين واحدة تلو الأخرى كما كانوا تركوا الموقعة, وتجالد الفريقان مجالدة شديدة, ونظر رسول الله وكان السبي ستة آلاف رأس، والإبل أربعة وعشرون ألفًا، والغنم أكثر من أربعين ألف شاة وأربعة آلاف أوقية فضة، أمر عليه السلام أن تجمع ثم حبسها بالجعرانة وجعل عليها مسعود الغفاري، ثم توجه ثم عاد للغنائم الجعرانة وكان في السبي الشيماء بنت الحارث السعدية، أخت رسول الله أيها المؤمنون: أترون فيمن لاحق رسول الله يريد المال أبا بكر أو عمر؟ أترون فيهم ذا النورين أو علي، أيلاحق أهل الشجرة المال وهم من بايع على بذل النفس، أينشد أهل بدر وهم خير الناس مالاً أو نعمًا لا والله وحاشاهم، إنهم من تعلقت قلوبهم بالآخرة وعلموا أنها معبر فرحها إلى حزن، وغناها إلى فقر، وعزها إلى ذل، فكيف تطيب لمؤمن صادق، ألا فهكذا فلتكن نفوس أهل الإيمان والدعوة، تعلقها بربها، سؤالها لربها، توكلها على خالقها، تعلم أنه المحيي المميت، الخالق الرازق فأنى لها أن تذل لغيره أو تسأل سواه، ثم أعطى عليه السلام المشاركين من الرجالة والفوارس.
[1] أخرجه أبو داود ح (2501). [2] رواه ابن إسحاق في سيرته سيرة ابن هشام (4/442) ونحوه في الترمذي ح (2180) وأحمد ح (21390). [3] رواه ابن إسحاق في سيرته (4/443). [4] روى بعضه البخاري ح (3042)، ومسلم ح (1776). [5] رواه مسلم (1775). [6] رواه مسلم ح (1777). [7] رواه ابن إسحاق في سيرته (4/488)، نحوه في الترمذي ح (3942) وأحمد ح (14292). [8] رواه النسائي في سننه ح (3688)، وأحمد ح (6690).
| |||
الخطبة الثانية | |||
وبادئ الأمر لم يفهم مقصود النبي ثم قال: ألا تجيبوني يا معشر الأنصار؟ قالوا: بماذا نجيبك يا رسول الله، لله ولرسوله المن والفضل، قال: ((أما والله لو شئتم لقلتم، فلصَدقتم ولصُدقتم، أتيتنا مُكذبًا فصدقناك، ومخذولاً فنصرناك، وطريدًا فآويناك، وعائلاً فآسيناك، أوجدتم يا معشر الأنصار في أنفسكم في لعاعة من الدنيا تألفت بها قومًا ليسلموا، ووكلتم إلى إسلامكم، ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير، وترجعوا برسول الله فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم، وقالوا: رضينا برسول الله الله أكبر، والله ليست أعظم من مال حنين فحسب، بل أعظم من الدنيا وما فيها، حين يعود الناس بالشاة والبعير ويعود الأنصار بخير البشر، وخليل الله، يعودون بالشفيق الرحيم، يعودون بمن تفديه الآباء والأمهات وهو يدعو: اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: |