ملخص الخطبة |
1 ـ بعض من حال العرب في الجاهلية. 2 ـ أبرهة يغزو مكة لهدم الكعبة3 ـ ولادة النبي صلى الله عليه وسلم ونشأته في بادية بني سعد4 ـ حادثة شق صدره صلى الله عليه وسلم5 ـ بعض علامات تميزه صلى الله عليه وسلم في صغره6 ـ زواجه من خديجة7 ـ بناء الكعبة ودوره صلى الله عليه وسلم في وضع الحجر الأسود |
الخطبة الأولى |
|
في جو مشحون بزيف الباطل، وركام الجاهلية، يسوس الناس جهلهم، ويحكمهم عرفهم وعاداتهم، قتل وزنا، عهر وخنا، وأد للبنات، تفاخر بالأحساب والأنساب، ساد في البقاع قانون الغاب، فالبقاء للقوي، والتمكين للعزيز، تُغير القبيلة على الأخرى لأتفه الأسباب، تقوم الحروب الطاحنة، تزهق فيها الأرواح، وتهلك الأموال، وتسبى النساء والذراري، وتدوم السنون، وتتعاقب الأعوام، والحرب يرثها جيل بعد جيل، وأصلها بعيرٌ عُقر، وفرسٌ سبقت أخرى، أو قطيع أغنام سيق وسرق. ساد في ذلكم المجتمع عادات غريبة عجيبة، فعند الأشراف منهم كانت المرأة إذا شاءت جمعت القبائل للسلام، وإن شاءت أشعلت بينهم نار الحرب والقتال، بينما كان الحال في الأوساط الأخرى أنواع من الاختلاط بين الرجل والمرأة، لا نستطيع أن نعبر عنه إلا بالدعارة والمجون والسفاح والفاحشة. كانت الخمر ممتدح الشعراء، ومفخرة الناس، فهي عندهم سبيل من سبل الكرم، ناهيك عن صور الشرك وعبادة الأوثان، التي تصور كيف كان أولئك يعيشون بعقول لا يفكرون بها، وبأعين لا يبصرون بها، وأذان لا يسمعون بها في هذه الأثناء حدث حادث عجيب لمكة وحرمها، رأى أبرهة الصباح نائب النجاشي على اليمن أن العرب يحجون الكعبة، فبنى كيسة كبيرة بصنعاء ليصرف حج العرب إليها، وسمع بذلك رجل من بني كنانة، فدخلها ليلاً ولطخ قبلتها بالعذرة، ولما علم أبرهة بذلك ثار غضبه وسار بجيش عرمرم عدده ستون ألف جندي إلى الكعبة ليهدمها، واختار لنفسه فيلاً من أكبر الفيلة، وكان في الجيش قرابة ثلاثة عشر فيلاً، وتهيأ لدخول مكة فلما كان في وادي محسر بين المزدلفة ومنى برك الفيل ولم يقم، وكلما وجهوه إلى الجنوب أو الشمال أو الشرق قام يهرول، وإذا وجهوه قبل الكعبة برك فلم يتحرك، فبينما هم كذلك إذ أرسل الله عليهم طيرًا أبابيل أمثال الخطاطيف مع كل طائر ثلاثة أحجار مثل الحمص، لا تصيب أحدًا منهم إلا تقطعت أعضاؤه وهلك، وهرب من لم يصبه منها شيء يموج بعضهم في بعض، فتساقطوا بكل طريق، وهلكوا على كل مهلك، وأما أبرهة فبعث الله عليه داء تساقطت بسببه أنامله، ولم يصل إلى صنعاء إلا وهو مثل الفرخ، وانصدع صدره عن قلبه ثم هلك. وكانت هذه الوقعة قبل مولد النبي ومن آياته وكراماته ما أخرجه ابن عساكر عن جلهمه عن عرفطه قال: قدمت مكة وهم في قحط، فقالت قريش يا أبا طالب: أقحط الوادي وأجدب العيال، فهلم فاستق فخرج أبو طالب ومعه غلام، كأنه شمس دجن، تجلت عنه سحابة قثماء، حوله أغيلمة، فأخذه أبو طالب فألصق ظهره بالكعبة، ولاذ بأصبعه الغلام، وما في السماء قزعة، فأقبل السحاب من ههنا وههنا، وأغدق واغدووق، وانفجر الوادي، وأخصب النادي والبادي. وإلى هذا أشار أبو طالب بقوله: وأبيض يستسقي الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل ولما بلغ رسول الله وكان عليه السلام في بداية حياته قد رعى الغنم ثم لما بلغ خمسًا وعشرين سنة خرج تاجرًا إلى الشام في مال لخديجة مع غلامها ميسرة فحدثها عن خلاله العذبة، وشمائله الكريمة، وما أوتي من فكر راجح ومنطق صادق، ونهج أمين، ففاتحت خديجة صديقتها نفيسة بنت منبه برغبتها الزواج من محمد فعرضت نفيسة على رسول الله الأمر، فرضي ثم كلم أعمامه فذهبوا إلى عم خديجة وخطبوها إليه، وأصدقها عشرين بكرة وكانت أفضل نساء قومها نسبًا وثروة وعقلاً، وهي أول امرأة تزوجها، ولم يتزوج غيرها حتى ماتت. فرضي الله عنها وأرضاها.
|
الخطبة الثانية |
ولخمس وثلاثين سنة من مولده عليه الصلاة والسلام جرف مكة سيل عرم، انحدر إلى البيت الحرام، فأوشكت الكعبة منه على الانهيار، فعزمت قريش على بناءها وألا يدخلوا في مالها إلا طيبًا فهدموها حتى بلغوا قواعد إبراهيم، ثم أرادوا الأخذ في البناء، فجزأوا الكعبة، وخصصوا لكل قبيلة جزءًا منها، فلما بلغ البنيان موضع الحجر الأسود، اختلفوا فيمن يمتاز بشرف وضعه في مكانه واستمر النزاع أربع ليالٍ أو خمسًا، وكاد أن يتحول إلى حرب ضروس في أرض الحرم إلا أن أبا أمية بن المغيرة المخزومي عرض عليهم أن يحكموا أول داخل من باب المسجد فارتضوه، وشاء الله أن يكون أول داخل هو رسول الله هذا هو النبي روى البخاري عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: لما بنيت الكعبة ذهب النبي كان أفضل قومه مروءة، وأحسنهم خلقًا، وأعزهم جوارًا، وأعظمهم حلمًا، وأصدقهم حديثًا، وألينهم عريكة، وأعفهم نفسًا، وأكرمهم خيرًا، وأبرهم عملاً وأوفاهم عهدًا، وآمنهم أمانة حتى سماه قومه الأمين. والحديث موصول إن شاء الله تعالى في سلسلة مباركة أسابيع أخرى. في وقفات مع سيرة المصطفى اللهم صلَّ على محمد... |