• موضوعات متنوعة
  • 8076
  • 10-8-2008
  • هاشم محمدعلي المشهداني
  • ملخص الخطبة

    1- ترك الدعوة موجب للهلاك. 2- العمل الدعوي الجماعي ودليل مشروعيته. 3- منزلة الداعية. 4- صفات الداعية. 5- أدب الدعاة عند الاختلاف. 6- أسباب الاختلاف.

    الخطبة الأولى

    يقول الله تعالى: قل هذه سبيلي ادعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين [يوسف:108].

    الدعوة إلى الله تعالى فرض على كل متبع للمصطفى سواء كان ذكرا أم أنثى كل بحسب حاله.

    فما الدعوة؟ وكيف تؤدى؟ وما مكانة الداعية وصفته؟ وما آداب الدعاة عند الاختلاف؟ وما أسباب الاختلاف؟

    أما الدعوة: فهي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

    وترك الدعوة موجب للعنة، قال تعالى: لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون [المائدة:79].

    ترك الدعوة موجب لمنع إجابة الدعاء للحديث: ((لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا من عنده ثم لتدعنه فلا يستجيب لكم))([1]).

    ترك الدعوة موجب للعذاب الأليم للحديث: ((إن القوم إذا رأوا المنكر فلم يغيروه عمهم الله بعقاب))([2]).

    أما كيف تؤدى؟ فالدعوة تؤدى على نحوين:

    فردية: للحديث: ((من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان))([3]).

    جماعية: ولها دلائل من الكتاب: ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر . ومن السنة: ((إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم))([4]) والقاعدة الفقهية: ((ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب)). ثم إن الواقع الجاهلي لا يستقيم بجهد فردي بل لابد من تلاقي الجهود والطاقات لاختصار عامل الزمن وقطع المراحل دون تبديد للطاقات والحفاظ على القلوب من تغيرها مع طول المدة.

    وأما مكانة الداعية وصفته:

    1- فالداعية إلى الله تعالى من أعظم الناس أجرا للحديث: ((فو الله لئن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم))([5]).

    2- والداعية من أكرم الناس قولا وأحسنه قال تعالى: ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين [فصلت:23].

    3- والداعية من أعظم الناس غيرة على دينه فليس في إيمانه بلادة ولا خمود بل هو إيمان متأجج فيه اللوعة وفيه الحرقة ولن تقر عينه بشيء من متاع حتى يرى كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلى، يقول الفضيل بن عياض: ((إن قلوب الأبرار لتغلي بأعمال البر وإن قلوب الفجار لتغلي بأعمال الفجور، والله يرى همومكم فانظروا رحمكم الله ما همومكم)).

    4- والداعية من أبرأ الناس ذمة يوم القيامة والحساب، حيث بلغ الأمانة وأدى الرسالة ونصح وبلغ ورغب ورهب لأحد عليه حجة قال تعالى: وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون [الأعراف:164].

    5- والداعية من أحق الناس بكرامة الله له فذات مرة احتاج المسلمون إلى نصب معسكرهم في إحدى غابات أفريقيا التي كانت تموج بالسباع والحشرات السامة، فوصل عقبة بن نافع قائد الجيش إلى ناحية ببعض أصحاب رسول الله ، فشكى إليه الجند كثرة الهوام والسباع فصعد ربوة ونادى: (أيتها السباع أيتها الحشرات، أيتها الهوام، نحن أصحاب رسول الله جئنا لنخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد فارحلوا، فإنا نازلون وما هي إلا لحظات قليلة إذ تم انتشار هذا الخبر في أوساط هذه الحيوانات، فارتحلت كلها وهي تحمل أولادها)([6]).

    6- والداعية من أعرف الناس بمقام الأنبياء والرسل، وبتقدير جهادهم، لأنه يقف موقفهم، ويحس بمعاناتهم من خلال إعراض المعرضين، وسخرية الساخرين، كما أنه يكون أكثر إدراكا لقصص الأنبياء في القرآن الكريم، وأكثر تأثرا بآيات الرجاء والتصبر والاحتساب.

    7- والداعية هو الذي يعرف مواطن الداء، ويتقن فن إعطاء الدواء، فليس بالفظ قال تعالى: ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك [آل عمران:159]. وليس بالساذج الذي ما يفسده أعظم مما يصلحه بسوء أدبه وجافئه أو أن يضخم جانبا على حساب آخر قال تعالى: أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون [البقرة:85].

    8- الداعية هو الذي يؤثر ولا يتأثر، يؤثر في الناس بصدقه وإخلاصه وخلقه وعلمه وثباته ولا يتأثر بالمفاهيم الجاهلية التي يتعامل بها الناس أو يحتكمون إليها من إقليمية بغيضة وتعلق بالأشخاص، وموازين معوجة وصدق الله العظيم: ولا تعجبك أموالهم وأولادهم إنما يريد الله أن يعذبهم بها في الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون [التوبة:85]. قال العلماء: تأمل كيف أن الله تعالى نهى المؤمن عن الإعجاب لأن الإعجاب هو تكريم لهم، وتكريمهم لا يجوز للحديث: ((لا تقولوا للمنافق سيدا، فإنه إن يكن سيدا فقد أسخطتم ربكم عز وجل))([7]).

    وفي شرح الحديث تحريم وصف المنافق بأوصاف الاحترام والتقدير، وأن وصفه بذلك يستدعي غضب الله عز وجل لأنه تعظيم لعدوه الخارج عن طاعته المستحق للإهانة والتحقير([8]).

    9- الداعية هو الذي يحب الخير للناس كل الناس، ويعيش هموم المسلمين وأفراحهم، فهو عالمي الهم، عالمي الفرح يقول ابن عباس : إن فيّ ثلاث خصال: إني لآتي على الآية في كتاب الله فلوددت أن جميع الناس يعلمون ما أعلم، وإني لأسمع بالحاكم من حكام المسلمين يعدل في حكمه فأفرح ولعلي لا أقاضي إليه أبدا، وإني لأسمع بالغيث قد أصاب البلد من بلاد المسلمين موجودة في كل مجلة أو صحيفة أو كلمة، وهو من أبعد الناس عن أداء دور فعلي جاد، لمعاجلة أو تخفيف مصائب الآخرين الذين يحيطون به وهذا دليل بلادة وانحراف، بلادة في الحس، وانحراف في الفهم.

    وأما أدب الدعاة عند الاختلاف: فالناس يختلفون في نظرتهم إلى أي أمر فكل يراه من ناحية، فكان اختلاف الأقوال، وارد وهذا أمر قديم ولا ينكره منصف عارف، ولكن الذي ننكره هو اختلاف القلوب بسبب اختلاف الأقوال.

    وما ينبغي أن يعلمه كل داعية إلى الله تعالى على وجه الخصوص هو:

    جواز تعدد الصواب: الرجلان اللذان فقدا الماء فتيمما وصليا ثم وجداه فقام أحدهما فتوضأ وأعاد واكتفى الآخر بالصلاة الأولى، فلما عادا إلى الرسول قال للذي أعاد: ((لك الأجر مرتين، وقال للآخر أصبت السنة))([9]).

    إن هناك منكرا أصغر ومنكرا أكبر: وكل منكر أصغر إنما يستمد وجوده من المنكر الأكبر.

    إنا دعاة لا قضاة: فالحكم على الناس بالكفر أو الإيمان من غير بينة أو إقرار أو أداء لواجب الدعوة مخالف لعقيدتنا يقول الإمام الطحاوي رحمه الله: ((ولا نكفر أحدا من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله)).

    أن نستشعر خطر العدو المشترك فالكفر ملة واحدة بل يد واحدة، اليهودية تلتقي مع الصليبية مع الشيوعية ضد إسلامنا والله تعالى يدعونا أن نتخذ من الكفار قدوة في موالاة بضعهم لبعض قال تعالى: والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير [الأنفال:73]. أما المنازعات والمهاترات التي تقطع حبائل المودة فهذه لن تزيدنا إلا ضياعا إلى ضياع وذلا إلى ذل.

    وأما أسباب الاختلاف: فكثيرة منها:

    سوء التقدير والموازنة بين الأصول والفروع: دخل الإمام البنا ورأى المصلين يتنازعون في صلاة والتراويح منهم المصر على صلاة عشرين للأثر الثابت عن عمر ومنهم المصر على صلاتها ثماني لفعل المصطفى ولما كان هذا الباب باب تطوع والزيادة فيه جائزة كما نص على ذلك الشوكاني في كتابه، نيل الأوطار، قال لهم الإمام البنا أرى أن تصلوا العشاء ثم تغلقوا المسجد وكل يصلي في بيته ما شاء، فقالوا له: ولم؟ قال: لأن صلاة التراويح كلها سنة وأخوتكم فريضة فلا تهدر الفريضة لأجل السنة.

    فقدان العالمية: إسلامنا لا يعرف الإقليميات ولا الانتساب إلى الطيب ولا اختلاف الألسن والألوان وإنما هو دعوة عالمية لكل البشر قال تعالى: قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا [الأعراف:158].

    فقدان الشمولية: إسلامنا كل لا يتجزأ ولا يحل لأحد مهما كان له من علم أو دراية أن يقدم أو يؤخر أو يضخم جانبا على حساب جانب آخر قال تعالى: أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا [البقرة:85].

    الأهواء: ومداخل الشيطان إلى قلب العبد لا يقف حائلا دونها إلا التقوى فإهمال المتقادم في وجوده فيما نحث عليه المبتدئ من صلاة وصيام وذكر واستغفار ومجاهدة للحديث: ((إن الشيطان واضع خطمه على قلب ابن آدم فإذا ذكر الله خنس وإذا نسي التقم قلبه))([10]). وللحديث: ((إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم([11])- فضيقوا مجاريه بالجوع))([12]). وبغير هذه الرياض الروحية، يعرض العبد قلبه لسهام الشيطان، بل يزيده لجاجة وإضلالا، بتلبيسه حيث يوحي إليه بالقياس الفاسد ومعارضة النصوص بتأويلات ساقطة وحذلقة لا يقرها عاقل وصدق الله العظيم: وإذا علم من آياتنا شيئا اتخذها هزوا [الجاثية:9]. والحديث: ((إن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم))([13]).



    ([1])رواه أحمد والترمذي وابن ماجة .

    ([2])النسائي .

    ([3])رواه مسلم .

    ([4])أصول الدعوة 446 .

    ([5])متفق عليه.

    ([6])أسباب سعادة المسلمين للكاندهلوي بتصرف ص 59.

    ([7])رواه أبو داود بإسناد صحيح .

    ([8])نزهة المتقين مجلد 2 ص 1176 .

    ([9])رواه أبو داود والنسائي.

    ([10])أخرجه الحافظ الموصلي.

    ([11])متفق عليه.

    ([12])الزيادة رواها ابن أبي الدنيا.

    ([13])رواه مسلم.

    كن أول من يقيم الموضوع
    12345