ملخص الخطبة | |
1- الفرق بين الربا والصدقة. 2- تعريف الربا وأدلة تحريمه. 3- شرح الآيات التي ورد فيها ذم الربا وبين حال أهل الربا في الدنيا والآخرة. 4- كيف يتوب المتعامل بالربا من الربا. 5- فضل إنظار المعسر. 6- تعريف نوعي الربا: ربا الفضل وربا النسيئة. | |
الخطبة الأولى | |
عن عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة إن الصدقة هي الوجه المشرق الصالحة للمعاملة التي يتعامل بها الناس، ويقابلها الوجه الكالح الطالح وهو الربا، وشتّان بين الوجهين: فالصدقة عطاء وسماحة، وطهارة وزكاة، وتعاون وتكافل. والربا شح وقذارة ودنس، وأثرة وفردية. والصدقة نزول عن المال بلا عوض ولا رد. والربا استرداد للدين ومعه زيادة حرام مقتطعة من جهد المدين أو من لحمه، من جهده إن كان قد عمل بالمال الذي استدانه فربح نتيجة لعمله هو وكده، ومن لحمه إن كان لم يربح أو خسر، أو كان قد أخذ المال للنفقة منه على نفسه وأهله ولم يستربحه شيئا. ولهذا تحدث القرآن عن الصدقة ثم أتبعها بالحديث عن الربا، الوجه الآخر الكالح الطالح، وكشف عما في عملية الربا من قبح وشناعة، ومن جفاف في القلب وشر في المجتمع، وفساد في الأرض وهلاك للعباد. ولم يبلغ من تفظيع أمر أراد الإسلام إبطاله من أمور الجاهلية ما بلغ من تفظيع الربا، ولا بلغ من التهديد في اللفظ والمعنى ما بلغ من التهديد في أمر الربا. ولما كان الربا قد شاع في عصرنا هذا شيوعا كثيرا جعل السلامة منه من الصعوبة بمكان، كان لابد من الحديث عن الربا وبيان خطره وخطر عقوبته لعل المرابين يتقون أو يحدث لهم ذكرا، فنقول وبالله التوفيق: الربا في اللغة: الزيادة قال تعالى: وهو في الشرع: الزيادة في الدين على رأس المال قلّت أو كثرت، وهو حرام بالكتاب والسنة وإجماع الأمة. قال تعالى: وليس القيد هنا لإفادة الشرطية، ولكنه لبيان الواقع فلا يعتد به، بدليل قوله تعالى: وقال النبي وقال وقال وفي حديث الرؤيا الطويل عند البخاري: ((أن النبي ولقد شن القرآن الكريم حملة شديدة عنيفة على المرابين نسوقها بلفظها ثم نأتي عليها بالبيان. قال تعالى: إنها الحملة المفزعة، والتصوير المرعب والذين يأكلون الربا ليسوا هم الذين يأخذون الفائدة الربوبية وحدهم، إنما هم كل المتعاونين على إجراء العملية الربوية: عن جابر بن عبد الله قال: ((لعن رسول الله والقرآن يصفهم بأنهم إنهم لا يقومون في الحياة ولا يتحركون إلا حركة الممسوس المضطرب القلق المتخبط الذي لا ينال استقرارا ولا طمأنينة ولا راحة، وهذا أمر أصبح مشاهدا في هذا العصر، فالناس مع الحضارة والرقي والتقدم والرخاء قلقون خائفون مضطربون، قد فشت فيهم الأمراض العصبية والنفسية، والسبب هو خواء الأرواح من زاد الإيمان، الذي هو سبب الطمأنينة والسكينة والهدوء والراحة وحين يشقى العالم وهو في رخاء مادّي لابد أن يعلم أن السبب هو فقد الغذاء الروحي، الذي سببه الإعراض عن ذكر الله، كما قال تعالى: ولكن القوم لا يستحضرون هذا السر، ولا يهتدون إليه سبيلا، لأن ولقد اعترض المرابون في عهد رسول الله فالعمليات التجارية قابلة للربح والخسارة، أما العمليات الربوية فهي محدودة الربح في كل حالة، هذا هو مناط التحريم والتحليل: إن كل عملية يضمن فيها الربح على أية وضع هي عملية ربوية محرمة، بسبب ضمان الربح وتحديده، ولا مجال للمماحلة في هذا ولا للمداراة، ولذا ولما كان الله تعالى لا يؤاخذ إلا بعد إقامة الحجة قال: (ومن عاد) بعد بيان الله وتذكيره وتوعّده لأكلة الربا ولما علم الله أن من عباده من لا يقيم وزنا ليوم الحساب، ويسقطه من حسابه، فقد أنذرهم بالمحق في الدنيا والمحق: هو محو الشيء والذهاب به، وقد اشتهر هذا حتى عرفه العامة، فكم من آكل ربا حل به البلاء
والله سبحانه يعقّب على هذا الوعيد فيقول: ثم أدخل هذه الآية وهي قوله: وإنما ذكر الصلاة والزكاة لأنهما أعظم العبادة النفسية والمالية، فمن أتى بهما كاملتين سهل عليه كل عمل صالح. والله يعدهم بأن وفي ظل هذا للرخاء الآمن الذي يعد الله به الجماعة المسلمة التي تنبذ الربا من حياتها فتنبذ الكفر والإثم، وتقيم هذه الحياة على الإيمان والعمل الصالح والصلاة والزكاة، في ظل هذا الرخاء الآمن يهتف بالذين آمنوا بالهتاف الأخير ليحولوا حياتهم عن النظام الربوي الدنس المقيت، وإلا فهي الحرب المعلنة من الله ورسوله بلا هوادة ولا إمهال ولا تأخير: ثم وصل ذلك بقوله: ويؤخذ من هذا أن من لم يترك ما بقي من الربا بعد نهي الله تعالى عنه وتوعده عليه فلا يعدّ من أهل هذا الإيمان التام الشامل. وهكذا يأخذهم بالترغيب أولا، ثم ثنىّ بالترهيب الذي يقصم الظهور، ويزلزل القلوب: أي: إن لم تتركوا ما بقي لكم من الربا كما أمرتم فاعلموا واستيقنوا بأنكم على حرب من الله ورسوله. ويا للهول: حرب من الله ورسوله!! إن الخصم ليعرف أن عدوّه يعدّ العدة ليشن الغارة عليه فلا يهدأ ولا ينام، مع احتمال أن يدفع عن نفسه، وأن يكون هو المنتصر. فكيف إذا أعلم بالحرب من الله ورسوله؟! وهي حرب رهيبة معروفة المصير، مقررة العاقبة، لا هوادة فيها، وأين الإنسان الضعيف الفاني من تلك القدرة الجبّارة الساحقة الماحقة؟!. وهذه الحرب المعلنة أعمّ من القتال بالسيف والمدفع. إنها حرب على الأعصاب والقلوب، وحرب على البركة والرخاء، وحرب على السعادة والطمأنينة، حرب يسلط الله فيها بعض العصاة على بعض، حرب المطاردة والمشاكسة، حرب الغبن والظلم، حرب القلق والخوف، وأخيرا حرب السلاح بين الأمم والجيوش، والدول، إنها الحرب المشبوبة دائما، وقد أعلنها الله على المرابين، وهي مسعرة الآن تأكل الأخضر واليابس، والبشرية غافلة عما يفعل بها. ثم عرّض بالتوبة فقال: وإن كانت معاملات موجودة وجب عليه أن يقتصر على رأس ماله، فإن أخذ زيادة فقد تجرأ على الربا. ثم يرشد صاحب المال إلى ما يجب عليه نحو الذي عليه الدين فيقول: إنها السماحة النديّة التي يحملها الإسلام للبشرية. إنه الظل الظليل الذي نادى إليه البشرية المتعبة في هجير الأثرة والشح والطمع والتكالب، إنها الرحمة للدائن والمدين، وللمجتمع الذي يظل الجميع. إن المعسر في الإسلام لا يطارد من صاحب الدين أو من القانون والمحاكم، إنما ينظر حتى يوسر، ثم إن المجتمع المسلم لا يترك هذا المعسر وعليه دين، فالله يدعو صاحب الدين أن يتصدق بدينه إن تطوع بهذا الخير، وهو خير لنفسه كما هو خير للمدين، وهو خير للجماعة كلها ولحياتها المتكالفة ولو كان يعلم ما يعلمه الله من سريرة هذا الأمر. وقد كثرت الأحاديث في الترغيب في إنظار المعسر والتجاوز عنه، ومنها: قوله وعن حذيفة ثم يجئ التعقيب العميق الإيحاء الذي ترجف منه النفس المؤمنة وتتمنى لو تنزل عن الدين كله ثم تمضى ناجية من الله يوم الحساب: كان هذا التحذير من ربا النسيئة: وهو الزيادة في الثمن من أجل الزيادة في الأجل. ومن باب سد الذرائع حرّم الإسلام نوعا آخر من الربا وهو ربا الفضل. وربا الفضل معناه: بيع جنس بجنسه متفاضلاً. وهو محصور في أصناف ستة، بيّنها قوله فهذه الأصناف الستة لا يجوز بيع الجنس منها بجنسه متفاضلا: فلا يجوز بيع مائة جرام ذهبا قديما بتسعين جراما ذهبا جديدا، وكذلك الفضة. ولا يجوز بيع كيلتين من قمح رديء بكيلة من قمح جيد، وهكذا بقية الأصناف. ولا يجوز التأخير في القبض وإن كان هناك تماثل، بل لابد من التقابض في المجلس. فإن اختلفت الأجناس والعلة جاز البيع والشراء متفاضلا وجاز التأخير، كأن تشتري قمحا بنقد، أو ملحا بنقد. وإن اختلفت الأجناس واتحدت العلة جاز التفاضل دون التأخير: فيجوز أن تشتري عشرين جراما ذهبا بمائة فضة مثلا. أو تشتري كيلتين قمحا بأربع شعيرا، أو تشتري مائة ريال سعوديا بتسعين جنيها مصريا، فهذا التفاضل جائز شريطة التقابض في المجلس. فلا يجوز أن تشتري مائة ريال بتسعين جنيها وتبقى لك أو عليك بقية. وكذلك لا يجوز أن تشتري ذهبا بنسيئة، ولا أن تدفع بعض القيمة ويبقى عليك بعضها، بل لابد من دفع القيمة كلها نقدا قبل مغادرة المجلس. ومن الخطأ الذي يقع فيه كثير من الناس عند استبدال الذهب القديم بجديد أنهم يبيعون القديم ولا يقبضون ثمنه، ثم يشترون الجديد ويدفعون الفرق، وهذا داخل في ربا الفضل، والصحيح أن تبيع ما معك وتقبض ثمنه، ثم تشتري الجديد وتدفع ثمنه.
| |