| ||
ملخص الخطبة | ||
1- الدعاء سلاح المؤمن. 2- الدعاء سلاح الأنبياء ، وبه هلك أعداؤهم. 3- أوقات إجابة الدعاء. 4- أحوال أحرى بإجابة الدعاء. 5- آداب الدعاء. 6- منزلة الدعاء عند الله. | ||
الخطبة الأولى | ||
| ||
يتقلب الناس في دنياهم بين أيام الفرح والسرور, وأيام الشدة والبلاء, وتمر بهم سنين ينعمون فيها بطيب العيش, ورغد المعيشة, وتعصف بهم أخرى عجاف, يتجرعون فيها الغصص أو يكتوون بنار البُعد والحرمان. وفي كلا الحالين لا يزال المؤمن بخير ما تعلق قلبه بربه ومولاه, وثمة عبادة هي صلة العبد بربه, وهي أنس قلبه, وراحة نفسه. في زمان الحضارة والتقدم, في كل يوم يسمع العالم باختراع جديد, أو اكتشاف فريد في عالم الأسلحة, على تراب الأرض, أو في فضاء السماء الرحب, أو وسط أمواج البحر, وإن السلاح هو عتاد الأمم الذي تقاتل به أعداءها, فمقياس القوة والضعف في عُرف العالم اليوم بما تملك تلك الأمة أو الدولة من أسلحة أو عتاد. ولكن ثمة سلاح لا تصنعه مصانع الغرب أو الشرق, إنه أقوى من كل سلاح مهما بلغت قوته ودقته, والعجيب في هذا السلاح أنه عزيز لا يملكه إلا صنف واحد من الناس, لا يملكه إلا أنتم, نعم, أنتم أيها المؤمنون الموحدون, إنه سلاح رباني, سلاح الأنبياء والأتقياء على مرّ العصور. سلاح نجى الله به نوحًا عليه السلام فأغرق قومه بالطوفان, ونجى الله به موسى عليه السلام من الطاغية فرعون, نجى الله به صالحًا, وأهلك ثمود, وأذل عادًا وأظهر هودَ عليه السلام, وأعز محمدًا سلاح حارب به رسول الله تلكم العبادة وذلك السلاح هو الدعاء. أخرج أبو داود والترمذي وابن ماجه عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: قال رسول الله وليعلم أن للدعاء أدابًا عظيمة حريٌ بمن جمعها أن يستجاب له, فمنها: أولاً: أن يترصد لدعائه الأوقات الشريفة كيوم عرفة من السنة, ورمضان من الشهور, ويوم الجمعة من الأسبوع, ووقت السحر من ساعات الليل, وبين الآذان والإقامة وغيرها. روى الترمذي وأبو داود وأحمد في مسنده ـ وحسنه ابن حجر ـ أن أنسًا رضي الله عنه قال: قال رسول الله وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ولهما عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ثانيًا: أن يغتنم الأحوال الشريفة كحال الزحف, وعند نزول الغيث, وعند إفطار الصائم, وحالة السجود, وفي حال السفر. أخرج مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله وعن ابن عباس رضي الله عنهما ـ في حديث طويل وفيه ـ قال عليه الصلاة والسلام: ((فأما الركوع فعظموا فيه الرب عز وجل, وأما السجود فاجتهدوا فيه في الدعاء فقمِنٌ أن يستجاب لكم)) [6] رواه مسلم, أي حقيق وجدير أن يستجاب لكم. وأخرج أبو داود وابن ماجه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله وأخرج الترمذي وحسنه وابن ماجه والطبراني عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ثالثًا: أن يدعو مستقبلاً القبلة رافعًا يديه مع خفض الصوت بين المخافتة والجهر, وأن لا يتكلف السجع في الدعاء, فإنَّ حال الداعي ينبغي أن يكون حال متضرع, والتكلف لا يناسب, قال تعالى: ذكر ابن حجر عن بعض الصحابة في معنى قوله تعالى: وقال ابن عباس رضي الله عنهما كما عند البخاري: "فانظر السجع من الدعاء فاجتنبه, فإني عهدت رسول الله رابعًا: الإخلاص في الدعاء والتضرع والخشوع والرغبة والرهبة, وأن يجزم الدعاء ويوقن بالإجابة ويصدق رجاؤه فيه. قال تعالى: أخرج الترمذي والحاكم وقال: حديث مستقيم الإسناد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله وروى البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله قال ابن بطال: ينبغي للداعي أن يجتهد في الدعاء ويكون على رجاء الإجابة, ولا يقنط من الرحمة, فإنه يدعو كريمًا, وقديمًا قيل: ادعوا بلسان الذلة والافتقار لا بلسان الفصاحة والإنطلاق. خامسًا: أن يلح في الدعاء ويكون ثلاثًا ولا يستبطئ الإجابة, قال تعالى: أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله قال الداودي ـ رحمه الله ـ : على الداعي أن يجتهد ويلح ولا يقل: إن شئت، كالمستثني, ولكن دعاء البائس الفقير. سادسًا: أن يفتتح الدعاء ويختمه بذكر الله تعالى والصلاة على النبي قال سبحانه: أخرج النسائي وابن ماجه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كنت مع رسول الله وروى البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إن رسول الله قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (إن الدعاء موقوف بين السماء والأرض لا يصعد منه شيء حتى تصلي على نبيك قال أبو سليمان الداراني ـ رحمه الله ـ: من أراد أن يسأل الله حاجة, فليبدأ بالصلاة على النبي سابعًا: التوبة ورد المظالم والإقبال على الله عز وجل بكنه الهمة, وهو الأدب الباطن، وهو الأصل في الإجابة تحري أكل الحلال, كما قال الغزالي رحمه الله. أخرج الطبراني والحاكم وقال: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله قال الأوزاعي ـ رحمه الله ـ : خرج الناس يستسقون فقام فيهم بلال بن سعد, فحمد الله تعالى وأثنى عليه ثم قال: (يا معشر من حضر: ألستم مقرين بالإساءة؟, قالوا: بلى, فقال: اللهم إنا سمعناك تقول: وقال سفيان الثوري: "بلغني أن بني إسرائيل قحطوا سبع سنين حتى أكلوا الميتة من المزابل وأكلوا الأطفال, وكانوا كذلك يخرجون إلى الجبال يبكون ويتضرعون فأوحى الله إلى أنبيائهم عليهم السلام: لو مشيتم إليَّ بأقدامكم حتى تَحْفَى ركبكم وتبلغ أيديكم عنان السماء وتكل ألسنتكم من الدعاء فإني لا أجيب لكم داعيًا, ولا أرحم لك باكيًا حتى تردوا المظالم إلى أهلها, ففعلوا فمطروا من يومهم". والتوجيه النبوي يقول: ((أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة)) [17].
[1] الحديث رواه الترمذي ح (2969)، وأبو داود ح (1479)، وابن ماجه ح (3828). [2] رواه الترمذي ح (212)، وأبو داود ح (521)، وأحمد ح (22174). [3] رواه البخاري ح (935)، ومسلم ح (852). [4] رواه البخاري ح (6321)، ومسلم ح (758). [5] رواه مسلم ح (482). [6] رواه مسلم ح (479). [7] رواه أبو داود ح (1536) وابن ماجه ح (3862) والترمذي ح (1905) وأحمد ح (8375). [8] رواه الترمذي ح (3598)، وأحمد ح (9450)، وابن ماجه (1752). [9] رواه البخاري ح (1737). [10] رواه الترمذي ح (3479) والحاكم ح (1817) وأحمد (6617) قال الهيثمي: وإسناده حسن (10/148). [11] رواه البخاري ح (6338). [12] رواه البخاري ح (6340)، ومسلم (2735). [13] رواه الترمذي ح (3544)، والنسائي ح (1300)، وابن ماجه ح (3857). [14] رواه البخاري ح (1120)، ومسلم ح (769). [15] رواه الترمذي ح (486). [16] رواه الترمذي ح (3382) بإسناد ضعيف والحاكم ح (1997) وصححه، ووفقه الذهبي. [17] رواه الطبراني في معجمه الصغير، قال الهيثمي: وفيه من لم أعرفهم (10/290).
| ||
الخطبة الثانية | ||
أيها المؤمنون: الدعاء من أعظم العبادات, فيه يتجلى الإخلاص والخشوع, ويظهر صدق الإيمان, وتتمحص القلوب, وهو المقياس الحقيقي للتوحيد, ففي كلامٍ لشيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ: إذا أردت أن تعرف صدق توحيدك فانظر في دعائك. أخرج الطبراني وأبو يعلى عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله وأنت أيها المبارك مأجور في دعائك, موعود بالإجابة. أخرج الترمذي وأبو داود وابن ماجه والحاكم وصححه ووافقه الذهبي عن سلمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله وخرج الترمذي ـ وقال: حسن صحيح غريب ـ عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله والدعاء كريم على الله, عظيمٌ قدره عنده سبحانه, أخرج الترمذي والبخاري في الأدب المفرد والطبراني والحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله واسمع إلى النداء الرباني, فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله الله أكبر, ولا إله إلا الله, إذن فابشروا وأقبلوا، وادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة, انطرحوا بين يديه, وارفعوا حاجاتكم برداء الذل والمسكنة, ومرغوا الأنوف والجباه, واهتفوا باسمه فثم السعادة والأمان. أعوذ بالله من الشيطان الرحيم: [1] ذكره الهيثمي في المجمع وقال: رواه الطبراني في الأوسط... ورجاله رجال الصحيح غير مسروق بن المرزبان، وهو ثقة (8/30). [2] رواه الترمذي ح (3556)، وأبو داود ح (1488)، وابن ماجه (3865) والحاكم بنحوه (1830) ووافقه الذهبي على تصحيحه. [3] رواه الترمذي ح (3573)، وأحمد ح (10749)، والحاكم ح (1816). [4] رواه الترمذي ح (3370) ورواه الحاكم ح (1801) ووافقه الذهبي على تصحيحه، والبخاري في الأدب المفرد ح (712) وحسنه الألباني. [5] رواه الترمذي ح (3540). |