ملخص الخطبة | |
1- البركة هبة إلهية اختص الله بها بعض خلقه. 2- القرآن كلام الله وذكر بعض بركات هذا البركات. 3- بركة النبي | |
الخطبة الأولى | |
أما بعد: البركة هي شيء من خير يجعله الله تعالى في بعض مخلوقاته. والبركة كلها لله تعالى ومنه ،وهو المبارِك جل وعز بيده الخير كله ،والبركة كلها له ،وهو سبحانه يختص بعض خلقه بما يشاء من الخير والفضل والبركة كالرسل والأنبياء والملائكة وبعض الصالحين. قال تعالى: فالقرآن ،كله بركة قال تعالى: إنه مبارك في أصله ،باركه الله وهو ينزله من عنده ،ومبارك في محله ،الذي علم الله أنه له أهل، وهو قلب محمد ومن بركات القرآن أنه رقية ،وأنه دواء وشفاء، ولكن كثيراً من عباد الله حرموا أنفسهم هذا الخير. يقول ابن القيم عن نفسه: مكثت بمكة مدة يعتريني أدواء ولا أجد طبيباً ولا دواءً فكنت أعالج نفسي بالفاتحة ،فأرى لها تأثيراً عجيباً ،فكنت أصف ذلك لمن يشتكي ألماً فكان كثيراً منهم يبرأ سريعاً. ثم يقول رحمه الله: ولكن هاهنا أمر ينبغي التفطن له ،وهو أن الآيات والأدعية التي يستشفى بها ويرقى بها هي في نفسها نافعة شافية ،ولكن تستدعى قبول المحل وقوة همة الفاعل وتأثيره. فمتى تخلف الشفاء كان لضعف تأثير الفاعل أو لعدم قبول المنفعل. انتهى (الجواب الكافي ص5). أيها المسلمون: أما عن بركة الأشخاص فهناك أشخاص مباركون، ففي مقدمتهم وعلى رأسهم أفضل الأنبياء وسيد الأولين والآخرين نبينا محمد ومن أعظم بركاته عليه الصلاة والسلام هذا الدين الذي بعث به ،فمن قبلها سعد في الدنيا والآخرة ،ومن ردّها خسر الدنيا والآخرة ،قال تعالى: أضف إلى ذلك صوراً من بركاته وهناك أيها الأحبةالصالحون من البشر ،الذين هم أولياء الله عز وجل. وهؤلاء أيضاً بركة على أنفسهم وعلى غيرهم. وفي مقدمة هؤلاء العلماء والدعاة وطلاب العلم العاملين المخلصين ،هؤلاء هم صفوة المجتمع ،فهم مستقيمون في جميع أحوالهم وهم مطيعون لربهم ،أخلاقهم حسنة ،نفوسهم طيبة ،فكيف يكون هؤلاء بركة على المجتمع؟ يكون ذلك من وجوه عديدة : منها أنهم هم الدعاة بين الناس إلى الخير،وهم الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر ،وهم الذين يقومون بواجب النصيحة. وكل هذا بركة على الناس. ومنها: أنهم يعرفون الناس بدينهم وبأحكامه وتشريعاته وآدابه ،فهم ورثة الأنبياء في هذا الباب. ومن بركتهم الدعاء للناس ،فهم يدعون للفساق والمنحرفين بالهداية ،ويدعون للمؤمنين المستقيمين بالتوفيق والمغفرة ،ونحو ذلك. ولا يخفى الأثر العظيم النافع للدعاء دنيا وآخرة. يقول ابن القيم: "النافع هو المبارك ،وأنفع الأشياء أبركها ،والمبارك من الناس أينما كان هو الذي يُنتفع به حيث حل". فيا أخي المسلم: احرص أن تلحق بركب هؤلاء ،فإن لم يكن فلا أقل من أن تدافع عنهم وتدعو لهم ولا ترضى بأية أذية تلحق بهم ،فهم بركة المجتمع ،وما يدريك أن الله دفع عنا ألواناً من الشرور والنقم والعذاب بسبب هؤلاء وبركتهم وصلاحهم ودعائهم قال الله تعالى: إنه كما نعلم جميعاً من سمات الصالحين ،ومن أخص خصائص الدعاة وطلاب العلم. بل إن رفع العذاب عن الناس ببركة هؤلاء قد يشمل حتى الكفار إذا كانوا بين أظهر المؤمنين. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "قد يدفع الله العذاب عن الكفار والفجار لئلا يصيب من بينهم من المؤمنين ممن لا يستحق العذاب" ،ثم استدل رحمه الله على كلامه هذا بقوله تعالى: فلنتق الله أيها المسلمون ،ولنحافظ على هذه الثلة الخيرة بيننا ،فهم بركة المجتمع، ولنفخر بكثرة وجوه الصالحين في مجتمعنا، فببركتهم ودعوتهم سينصر الله هذه الأمة ،روى البخاري في صحيحه أن النبي نعم أيها الأحبة: إن علماءنا ودعاتنا وطلاب العلم فينا ،والأُناس الطيبين الصالحين هم بركة مجتمعنا ولله الحمد ،إن منافعهم عديدة ،وخيرهم كثير ،ونفعهم مستمر، فنسأل الله جل وتعالى أن يكثر سوادهم وأن يحفظهم وأن يزيدهم عدداً وإيماناً وعلما وتوفيقا. ونحن وإن لم نصل إليهم بعلمهم وجهادهم وبلاءهم ،فنسأله سبحانه أن يحشرنا معهم بحبنا لهم. أيها المسلمون: ومما جاء الشرع أيضاً ببركته مكة وأيضاً مدينة رسول الله وأيضاً مما ورد في الشرع بركته أرض الشام، فأرض الشام أرض مباركة قال جل وتعالى في شأن انتقال بني إسرائيل إلى الشام: وكذلك أرض اليمن أرض مباركة بدعاء النبي وأيضاً مما ورد في الشرع أن فيه البركة: المطر: وأيضاً: شجرة الزيتون قال تعالى: وأيضاً: الخيل قال وهذه البركة لارتباطها بالجهاد في سبيل الله: وأيضاً النخل قال صلى الله عليه وسلم: ((إن من الشجر لما بركته كبركة المسلم)). والمراد بها النخلة. وقال صلى الله عليه وسلم: ((إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر ،فإنه بركة)) [رواه أبو داود]. وأيضاً: الاجتماع على الطعام فإن الله يبارك فيه وأيضاً لعق الأصابع قال وأيضاً التبكير قال وأيضاً يا معاشر التجار الصدق في البيع ((فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما)). فنسأل الله جل وتعالى أن يبارك لنا في أموالنا.
| |
الخطبة الثانية | |
أما بعد: البركة أيها الأحبة يمنحها ويسلبهاالمولى جل تعالى، إن العبرة ليست بما تملك من مقومات المادة ،وليست العبرة بما تملك من طاقات وقُدرات ،إذا سلبت البركة من كل ذلك ،بل إن القليل من المادة ،والقليل من الطاقات مع بركة الله ،تفعل الأعاجيب. فأنت قد تُعطى الملايين ،لكن تنزع منها البركة ،تجد شقاءها في الدنيا قبل الآخرة ،تملك الملايين ،لكن لا تتمتع بها لأن البركة منزوعة ،وقد لا يكون معك إلا راتبك الذي لا يوصلك لآخر الشهر ،لكن يبارك الله في هذا القليل فتعيش حياة الملوك أنت وأولادك. رجلان ،الأول له عشرة من الولد ،والثاني ليس له إلا بنت واحدة. تُنزع البركة من الأول ،فهؤلاء العشرة لا ينفعونه بشيء ،بل ربما عانوا هم سبب المتاعب التي يعيشها ،والنكد الذي يعيشه ،ربما مَرِضْ ولا أحد من العشرة يُحس به ،أو يلتفت إليه يمر اليومان والثلاثة والأسبوع ،ولا أحد يسلم عليه.إنهم عشرة ،لكن بدون بركة. والثاني يطرح الله البركة في هذه البنت ،فتكون قرة عينيَ والديها في الدنيا ،تقوم بحقهما ،وترعى شؤونهما مع أنها متزوجة ولها بيتها ومسئولياتها ،ومع ذلك هي على صلة مستمرة بهما يومياً ،على الأقل ترفع سماعة الهاتف كل ليلة قبل أن تنام لكي تطمئن عليهما ،إنها المنحة الإلهية التي لا تُشترى بالمال ،ولا يجلبها الملك والسلطان وإنما هي بيد من بيده ملكوت كل شيء. ثم هناك رجلان آخران: الأول: محسوب على كبار العلماء. والثاني: طالب علم في أول الطريق. تجد أن الأول مع ما أوتي من مكانة علمية واجتماعية ،وربما عمّر خمسين أو ستين بل ربما سبعين سنة ،لكن لم يستفد منه أحد لا أثر له ،لا وجود له في الوسط الذي يعيش فيه حتى الحارة التي هو يسكنها لم يستفيدوا من علمه ،نعم إنه مكانه ،ومنصب لكن بدون بركة. والثاني:طالب العلم هذا لم يعرفه الناس إلا من سبع أو ثمان سنوات، لو ألقى درساً بسيطاً هنا ،لوزعت أشرطته بعد ثلاثة أيام في الصين وكندا ودول أوربا وانتفع الناس بها شرقاً وغرباً. إنها البركة الإلهية التي لا تشترى بالمال ،ولا تكسبها القبيلة ولا العشيرة ولا تجلبها المناصب والهيئات. اعلم يا عبد الله أن هذا الباب لو أغلقه الله عليك ثم فتح لك كل أبواب الدنيا ،من مال وولد وجاه وسلطان وصحة.فوالله ما هو بنافعك بشيء إنما يكون معها الضيق والكرب والشدة والقلق والعناء. واعلم يا عبد الله ،بأن الله لو فتح لك باب البركة فابشر بكل خير ،مع قلة الراتب ،وضيق المسكن ،وانعدام الولد ،وضعف الجاه. أيها المسلمون: وبعد كل هذا كيف نحصل على البركة؟ إن طريقها واحد لا يتعدد ،والحصول عليه لا يتغير قال الله تعالى: من أراد البركة فعليه بالإيمان ،الإيمان الحقيقي لا الإيمان الصوري. من أراد البركة في رزقه وماله وولده وعلمه فعليه بتقوى الله عز وجل في كل شيء.
ولو أراد أهل قرية أن يُعطوا من بركات الأرض وبركات السماء فعليهم بالإيمان والتقوى. أما أن يستمر أهل القرية على المعاصي ،ويستمر أهل القرية على الغناء واللهو واللعب فمن أين يأتي البركة؟ كيف يريد أهل القرية البركة في حياتهم ومعاشهم، وما يزال الربا قائماً بين أظهرهم. كيف يريد أهل القرية بركات من السماء والأرض وما يزال هناك مظلومون ،وما يزال الغش وما يزال البدع قائماً. كيف يحصل البركة لأهل هذه القرية، وفساقها أكثر من صالحيها. ومنكرها أكثر من معروفها. من أين يأت البركة لأهل هذه القرية. وما يزال هناك نقص كبير في عدد المصلين وعدد المزكين ،وعدد التائبين. فإن لم يتغمد الله هذه القرية برحمته ،فإنها مُقدمة والعياذ بالله على دمار وهلاك.
| |