ملخص الخطبة | |
1- إسلام علي &. 2- شجاعة علي &. 3- منقبة لعلي يوم تبوك. 4- علي خليفة للمسلمين. 5- مقتل علي على يد الخارجي عبد الرحمن بن ملجم. 6- أخلاق النبي | |
الخطبة الأولى | |
أيها الأخيار البررة: نحن اليوم مع ((بطل المواجهة)) نتكلم اليوم عن بطل من الأبطال، بطل في زهده وفي غناه، بطل في شجاعته وفي إقدامه، بطل في سلمه وفي حربه، عاش بطلاً، ومات بطلاً، ويبعث – إن شاء الله – بطلاً. نتحدث اليوم عن هذا البطل؛ لأننا في عصر نحتاج فيه إلى الأبطال فلا نجدهم، نبحث عن أبطال المواجهة في الحرب والسلم، فلا نجد لهم أثراً. إن هذا البطل، بطل في مواجهة الكفر والوثنية، بطل أمام اليهود والنصارى، بطل أمام الظلم والظلام. إنه علي بن أبي طالب!! هل تريدون مني اليوم أن أعرف علي بن أبي طالب؟ بأي لسان أتكلم على المنبر عن أبي الحسن؟ إنني أعلن أنني عاجز عن الوفاء بحقه، أو إنزاله منزلته، ولكن يكفينا وفاءً له أن قلوبنا تحبه، وتفرح لذكره، ودراسة سيرته. أسلم علي بن أبي طالب وعمره عشر سنوات، فهو أول غلام في الأرض يعلن لا إله إلا الله محمد رسول الله. أسلم بين يدي الرسول عليه الصلاة والسلام، فهو ابن عمه، وصهره وحبيبه. فلما أسلم علي ولما أراد النبي وفي سيرة علي فسيرة علي، تمسح دموع البائسين، وتخفف الألم عن المحرومين، فهي قصة طويلة، يستفيد من أحداثها كل مسلم على وجه الأرض. لما وصل إلى المدينة، أعطاه عليه الصلاة والسلام جائزة كبرى، هل هي قصر؟ أو فيلا؟ أو مال ؟ لا، وإنما أعلن إمام الناس، إمام الأجيال، أن علي ابن أبي طالب، يحب الله ورسوله، وأن الله ورسوله، يحبان علي بن أبي طالب. فما سبب هذه المنحة الكبرى؟ والجائزة العظمى؟ حاصر عليه الصلاة والسلام خيبر، حاصر اليهود في خيبر، قبل أن يجلوا منها بالقوة الحديد والنار. اليهود هم أعداء الله؛ لأنهم سبوا الله، وقتلوا الأنبياء، وحرّفوا كلام الله، وبدلوا شرائع الله، وقتلوا الموحدين، واليوم يجلسون على مائدة المفاوضات يناقشون مستقبل الأمة الإسلامية!! حاصرهم النبي عليه الصلاة والسلام، ضيق عليهم الخناق، وحاول أن يفتح مدينة خيبر، فاستعصت عليه، كانت متمنعة، أرسل أبا بكر الصديق فما استطاع، أرسل عمر فما استطاع، فاهتم الناس هماّ شديداً، وباتوا ليلة طويلة، فقام عليه الصلاة والسلام وسط الليل يقول: لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، يفتح الله عليه، فبات الناس يدوكون ليلتهم[1]، أيهم يعطاها، فلما أصبح الناس، غدوا على رسول الله انطلق علي فلما رأى علي قد علمت خيبر أني مرحب شاكي السلاح بطل مجرّب إذا الحروب أقبلت تلهب فنزل إليه علي بن أبي طالب مردداً: أنا الذي سمّتني أمي حيدره كليث غابات كريه المنظره أكيلهم بالسيف كيل السندره فتنازل الصديق علي بن أبي طالب مع الزنديق مرحب اليهودي، فقطعّه علي بسيفه، وقيل: إنه قسمه بالسيف نصفين إلى الهاوية، إلى النار، وافتتح علي خيبر، كما أخبر بذلك الرسول أراد علي بن أبي طالب حياءٌ من إلهي أن يراني وقد ودّعت صحبك واصطفاك فتبسم عليه الصلاة والسلام، وعرف مقصده، فقال: يا علي، أتريد فاطمة زوجة لك؟ قال: نعم، قال: عندك مهر، ويعلم عليه الصلاة والسلام أن علياً لا يملك درهماً ولا ديناراً، ولا ذهباً ولا فضة، ولا قصراً ولا حديقة، ولكنه يملك إيماناً كالجبال، يملك تاجاً على رأسه؛ ((لأعطين الراية غداً رجلاً يحبه الله ورسوله)) يملك أنه بطل المواجهة. قال: يا رسول الله، ما عندي شيء، قال: ((أين درعك الحطميّة))[3] قال: درعٌ لا تساوي درهمين، فأتى به علي، وسلمه للرسول، عليه الصلاة والسلام، فعقد لهما هي بنت من؟ هي زوج من؟ هي أم من؟ من ذا يُساوي في الأنام عُلاها أمـا أبوهـا فهـو أشـرف مـرسـلٍ جبريل بالتوحيد قـد ربّاهـا وعلــيُّ زوج لا تسـل عنـه سـوى سـيف غـدا بيمينـه تيـّاها ودخل بها بيته، الذي أسسه على تقوى من الله ورضوان، وأصبح صهر رسول الله خرج وهذه بشارة أخرى لعلي بن أبي طالب، ومنقبة عظمى تضاف إلى مناقبه، أنه من رسول الله كان علي في بدر، وقبل احتدام المعركة، دعاء الرسول عليه الصلاة والسلام أبطال المسلمين، ليبارزوا أبطال الكفر، فقال: أين علي بن أبي طالب، قال: ها أنا يا رسول الله، فخرج، وبارز قرنه الوليد بن عتبة، فقتله علي، ثم اشتبك مع الكفار في صراع دام، فقتل منهم مقتلة عظيمة. كان يقرأ القرآن فقرأ قوله تعالى: وتتكرر المسألة مع علي بن أبي طالب في الأحزاب، فيحاصر الرسول عليه الصلاة والسلام حصاراً دامياً من مشركي العرب واليهود، والقوميين الخونة، والنصارى، والمنافقين، ويأتي بطل من أبطال الكفر، اسمه عمرو بن ود، فيدعو المسلمين للمبارزة، فيقول: من يبارز أيها المسلمون؟! فيسكتون، من يتقدم ليبارزني أمام الجماهير؟ فلا يبرز أحد، ولكن علياً لا يرضى بذلك، فيقول: أنا يا رسول الله، يحب المواجهة، دائماً روحه على كفه، يقدمها رخيصة لنصرة الدين، وإعلاء راية التوحيد. أرواحنا يا رب فوق أكفنا نرجو ثوابك مغنماً وجواراً فقال عليه الصلاة والسلام: إنه عمرو بن ود!! قال: ولو كان عمرو بن ود، فنزل له علي وفي البخاري، في كتاب الرقاق، قال علي بن أبي طالب كان فقيراً لا يملك قليلاً ولا كثيراً، تولى الخلافة خمس سنوات، كانت كلها مواجهة؛ واجه الخوارج وأدبهم، وواجه المتمردين وطاردهم، وواجه البغاة وشتتهم، فحياته كلها مواجهة، قلبه مجروح وجسمه مجروح، وعرضه مجروح من أهل النفاق والريبة. لقي علي تولى علي الخلافة خمس سنوات، ولكنه ظل فقيراً، لم يشبع ولو يوماً واحداً، رجع إلى أهله ذات يوم، فقال: عندكم طعام؟ قالوا: لا !! عندكم شيء؟ قالوا: لا!! فخرج بسيفه الذي هو سيف الرسول لا يجد قوت يومه وهو الذي ذهب إلى بيت المال، وكان مملوءاً بالطعام والمال والسلاح، فوزع ما فيه في يوم واحد، ورش عليه الماء، وصلى ركعتين، وقال: اللهم اشهد أني ما أبقيت لنفسي منه درهماً ولا ديناراً، ولا حبة ولا تمرة ولا زبيبة. مرض علي عاش علو في الحياة وفي الممات بحق تلك إحدى الكرمات كان يقول خرج علي قامت عجوز تبكي، وتعبر عن جراحها وأساها، فقالت بيتاً من الشعر، فيه لوعة وأسى وحرقة على هذا البطل العظيم، قالت: يا ليتها إذ فدت عمراً بخارجةٍ فدت علياً بمن شاءت من البشر تقول: يا ليت المنية، يوم تركت عمرو بن العاص، وأصابت خارجة رئيس الشرطة، وقتل خارجة وسلم عمرو وكان هو المقصود بالقتل، يا ليتها تركت علياً وأصابت من شاءت من البشر. أبا حسن لهفي لذكراك لهفة يباشر مكواها الفـؤاد فينضـج متى تستعيد الأرض جمالها فتصبح فـي أثـوابهـا تتبهـرج عفاءٌ على دنيا رحلت لغيره فليـس بهـا للصـالحين معـرّج كدأب علي في المواطن كلها أبي حسن والغصن من حيث يخرج قتل علي بن أبي طالب، وقد كان ينتظر الموت، وينتظر الشقيّ الذي سيقضي عليه، وكان دائماً يتمثل بهذين البيتين: اشدد حيازيمك للموت فإن الموت لاقيكا ولا تجزع من الموت فإن الموت آتيكا أيها المسلمون: لماذا نتحدث اليوم عن علي بن أبي طالب؟ لماذا نخصّ اليوم علي بن أبي طالب؟. إننا نتحدث عن علي بن أبي طالب في هذا اليوم، لأنه بطل المواجهة، ونحن نفتقر إلى المواجهة، لا نتحمل المواجهة، أمة سلمت قيادها لغيرها، أمة سُحقت كرامتها، لأنها لا تملك بطلاً للمواجهة. أمة أصبح القرار بيد غيرها لأنها لا تقوى على المواجهة. إن علي بن أبي طالب قدوة لكم أيها الشباب، وأستاذ لكم أيها الأطفال، وهو شيخ للشيوخ، وبطل للأبطال. إن علي بن أبي طالب يكفيه أنه يحب الله ورسوله، وأن الله ورسوله يحبانه. سلام عليك يا علي بن أبي طالب، يوم أسلمت، ويوم هاجرت، ويوم بايعت، ويوم قتلت، ويوم تبعث حياً. عباد الله: أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم، ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو التواب الرحيم.
[1] يدوكون: يخوضون ويتساءلون. [2] أخرجه البخاري (4/207). [3] أخرجه أبو داود (2/240) رقم (2125 ، 2126) والنسائي (6/129، 130) رقم (3375، 3376) وأحمد (1/80). [4] أخرجه مسلم (4/1871) رقم (2404) وليس فيه قصة المنافقين ، وهذا السباق ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (9/114) وقال : رواه الطبراني بإسنادين ، في أحدهما ميمون أبو عبد الله البصري ، وثقه ابن حبان ، وضعفه جماعة ، وبقية رجاله ، رجال الصحيح ، وقوله : ((أما ترضى . . إلخ)) أخرجه البخاري (4/208). [5] أخرجه البخاري (7/171). [6] قال الهيثمي في المجمع (9/140) رواه البزار وأحمد بنحوه ، ورجاله موثقون. [7] قال الهيثمي في المجمع (9/140) رواه الطبراني ، وإسناده حسن.
| |
الخطبة الثانية | |
الحمد لله ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه والتابعين. أما بعد: أيها المسلمون: يعيش معنا يعيش معنا، قدوة وأسوة، وإماماً، ومعلماً، وأباً، وقائداً، ومرشداً. يعيش معنا في ضمائرنا عظيماً، وفي قلوبنا رحيماً، وفي أبصارنا إماماً، وفي آذاننا مبشراً ونذيراً.
نسينا في ودادك كل غال فأنت اليوم أغلى ما لدينا نلام على محبتك ويكفي لنا شرفٌ نلام وما علينا ولما نلقكم لكن شـوقـاً يذكرنـا فكيف إذا التقينا تسلّى الناس بالدنيا وإنـا لعمـر الله بعدك ما سلينا تحدث القرآن عن النبي قال تعالى: وقال تعالى: وسئلت السيدة عائشة عن أخلاقه وعلق الله الهداية على اتباعه ونفى الإيمان عن البشرية إذا لم تتحاكم إليه، وتسلم له قيادها، فقال: وحذر الله من مخالفته فقال: فيا أمة الإسلام، ويا إخوة العقيدة، ويا أبناء الرسالة الخالدة، هذا نبيكم أن هناك آداباً تجاه رسول الله ورأس هذه الآداب: كمال التسليم له، والانقياد لأمره وتلقي خبره بالقبول والتصديق، دون أن يعارضه، أو يحمّله شبهة أو يقدّم عليه آراء الرجال، فينبغي أن يوحّد الرسول ومن الأدب مع الرسول وهذه الآية باقية إلى يوم القيامة، لم تنسخ بوفاته قال مجاهد رحمه الله في معنى الآية: لا تفتاتوا على رسول الله وقال غيره: لا تأمروا حتى يأمر، ولا تنهوا حتى ينهى. ومن الأدب معه وفيه قولان للمفسرين: أحدهما: لا تدعونه باسمه، كما يدعو بعضكم بعضاً، بل قولوا: يا رسول الله، يا نبي الله. الثاني: أن المعنى، لا تجعلوا دعاءه لكم بمنزلة دعاء بعضكم بعضاً، إن شاء أجاب، وإن شاء ترك، بل إذا دعاكم لم يكن لكم بدٌ من إجابته، ولم يسعكم التخلف عنه البتة. ومن الأدب معه ومن الأدب معه ومن الأدب معه وكم من عائب قولاً صحيحاً وآفته من الفهـم السـقيم ولكن تأخـذ الأذهـان منـه على قدر القرائح والفهوم وهذا هو الواقع، وتلك هي الحقيقة، فإنه ما اتهم أحد دليلاً من أدلة الدين، إلا وكان المتهم هو الفاسد الذهن، المأفون في عقله وذهنه، فالآفة في الذهن العليل، لا في نفس الدليل. قال الشافعي رحمه الله: أجمع المسلمون، على أن من استبانت له سنة رسول الله فاتقوا الله عباد الله، وتأدبوا مع نبيكم، وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال: اللهم صل على نبيك وحبيبك محمد، واعرض عليه صلاتنا وسلامنا في هذه الساعة المباركة يا رب العالمين. |