ملخص الخطبة | |
1- الحذر في اللغة والاصطلاح. 2- الأمر بالحذر في الكتاب والسنة. 3- لا يغني حذر من قدر. 4- الحذر من أعداء الدين وأذنابهم. 5- أنواع الحذر. 6- وسائل في أخذ الحذر. | |
الخطبة الأولى | |
يقول رب العزة سبحانه: فما الحذر؟ ولماذا؟ وما أنواعه؟ وما وسائل الحذر في إسلامنا؟ أما الحذر لغة: فهو اليقظة والتأهب . اصطلاحا: هو أخذ الحيطة للأمر قبل وقوع المكروه. وينبغي أن تعلم : أن الحذر ثابت في الكتاب وثابت في السنة، ثابت في الكتاب قول رب العزة سبحانه: وينبغي أن تعلم أن الحذر من صفات المؤمنين، لقول النبي عليه الصلاة والسلام: ((المؤمن كيس فطن)) يقول عمر بن الخطاب ينبغي أن تعلم أيضا أنه لا ينبغي للمؤمن أن يكون ساذجا، لا يعتبر بالأحداث تدور حوله، فإذا ما خانك إنسان فلا ينبغي أن تثق به مرة أخرى، فتلك هي السذاجة، وإذا ما جربت فساد أمر فلا ينبغي أن تعود مرة ثانية وتجرب التجربة مرة أخرى، لقول النبي عليه الصلاة والسلام: ((لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين))([2]). وينبغي أن تعلم أيضا أنه لا يغني حذر من قدر، مشيئة الله نافذة، وعند البلاء ينبغي أن تعلم أنك المقصود فيه، فإذا نجوت فإنما تنجو بقدر الله عز وجل، لقول النبي عليه الصلاة والسلام: ((واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك))([3]). لذا يعلمنا رسول الله عليه الصلاة والسلام عند البلاء أن لا نكثر من اللوم لأنفسنا بل أن نرضى بقضاء الله، فيقول عليه الصلاة والسلام: ((فإن أصاب أحدكم شيئا فلا يقل: لو أني فعلت كذا لكان كذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل))([4]). وأما لماذا الحذر؟ فلابد من الحذر، لأن أعداء الله تعالى حريصون على إبادة هذا الدين وأهله، يرفعون لواء وشعار: "دمروا الإسلام أبيدوا أهله"، وهم لا يتحرجون من أن يستخدموا أي أسلوب لتحقيق هدفهم قط بالقتل، قال تعالى حكاية عن فرعون: ولابد من الحذر أيضا، لماذا؟ لأن الناس ليسوا سواء، فمن الناس الوفي ومنهم الغادر، ومنهم الطيب ومنهم الخبيث، ومنهم الصالح ومنهم الطالح، إن من النفوس نفوسا تبلغ في خستها أنها لا تنتقم إلا ممن يحسن إليها ويتفضل، يذكر لنا من سبقنا علما وفضلا في حادثة جرت أن رجلا ارتكب جرما، فأوى إلى بيت كرام فآووه، ورب الدار يطعمه ويسقيه ويكرمه في بيته شهورا طويلة حتى هدأت العيون وسكت الناس عن طلبه، بعد هذا يقوم الجاني فيقتل رب الدار، يقتل رب الدار الذي أحسن إليه، يسأله الناس بعد ذلك: لم فعلت هذا؟! فقد أحسن إليك كل الإحسان! فيقول لهم: إني كلما نظرت إليه تذكرت إحسانه علي، فيضيق صدري، فأردت أن أقتله حتى أستريح، نفوس كنفوس الوحش من الحيوان. ذكر أن امرأة رأت جرو ذئب فكانت ترضعه من شاة عندها، لما كبر الذئب قام إلى الشاة فقتلها وأكلها وهرب، عادت العجوز تقول: بقرت شويهتي و فجعت قلبي وكنت لها ابن ربيب غذيت بدرها وعشت معها فمن أدراك أن أباك ذيب إذا كان الطباع طباع ذئب فلا أدب يفيـد ولا أديب وأيضا لابد من الحذر، لأن من الناس من يعيشون على هفوات الآخرين وأخطائهم، بل قل يعيشون على كلمة الحق إذا قيلت، فيكتبون ويتجسسون والتجسس لا يكون في محيط المسلمين، ولا يكون إلا على أعداء الله عز وجل، ورب العزة يقول: وقد جاء في الأثر: ((لا تقوم الساعة حتى لا يأمن فيه المرء جليسه)). وأما أنواع الحذر: أولا: فأول الحذر حذر العبد من ذنوبه، إن للحسنة خيرا وبركة كما أن للسيئة غضبا من الله ولعنة، لقول الله تعالى في الحديث القدسي: ((إني إذا أطعت رضيت، وإذا رضيت باركت، وليس لبركتي نهاية، وإذا عصيت غضبت، وإذا غضبت لعنت، ولعنتي تبلغ السابع من الولد))([7])، وعلى العبد أن يحذر الذنب وأثر الذنب بعد ذلك، على مستوى الفرد وعلى مستوى الجماعة. على مستوى الفرد يقول رب العزة سبحانه: ب – وعلى مستوى الأمة، هلاك الأمة بمعاصيها يكون، وصدق الله العظيم: ثانيا: ومن الحذر أن يحذر العبد إمهال الله واستدراجه: إن من أسماء الله الحليم، كما أن من أسماء الله الصبور، كما أن من أسماء الله المنتقم، من حلم الله عز وجل أنه لا يعجل العقوبة للظالم أو لغيره، قال النبي عليه الصلاة والسلام: ((إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته))([9])، ليملي، يمد للظالم في ظلمه . بل إن الله عز وجل ينعم على العاصي حتى يوغل في المعصية، يقول عليه الصلاة والسلام: ((إذا رأيت الله يعطي العبد على معاصيه فاعلم أنه استدراج))، ثم تلى قوله تعالى: ثالثا: ومن الحذر، حذر العبد من نفسه، وصف رب العزة النفس فقال: رابعا: ومن الحذر أيضا حذر العبد من أهله: من أن يحولوا بينه وبين طاعة الله أو الجهاد، كان عبد الرحمن بن مالك الأشجعي كلما أراد الجهاد قامت إليه زوجته وولده يقولون له: إلى من تتركنا، كيف لو قتلت، ماذا نفعل بالحياة من بعدك؟ فيرق لحالهم ويجلس ولا يجاهد، فأنزل رب العزة قوله: يقول عكرمة: (يلقى الرجل زوجته يوم القيامة يقول لها: أي زوج كنت لك؟ تقول: نعم الزوج، فيقول لها: فإني أسألك حسنة واحدة أنجو بها مما أنا فيه، فتقول له: ما أيسر ما طلبت، ولكني أتخوف مما تتخوف منه، أنا أخاف عذاب الله كما أنك تخاف، فتبخل عليه بالحسنة، يلقى الوالد ولده، يقول له: أي والد كنت لك؟ فيقول: نعم الوالد، فيقول: فإني أسألك اليوم حسنة واحدة أنجو بها مما أنا فيه، فيقول: ما أيسر ما طلبت ولكني أتخوف مما تتخوف منه)([13]). فمن الغباء بمكان أن يضيع العبد آخرته بدنيا غيره. خامسا: ومن الحذر حذر العبد في صحبته: أوصانا رب العزة سبحانه أن نصحب الصالحين فقال: احـذر عدوك مرة و احذر صديقك ألف مرة فلربما انقلب الصديق فكان أعلم بالمضـرة لذا كان لابد من التجربة والمحك قبل أن يكون بينك وبينه صحبة، يقول أحد الصالحين: (إذا أردت أن تصحب أحدا فأغضبه، فإذا ذكرك بالخير وحفظ سرك فاحرص عليه فإنه أخوك، وإذا ذكرك بالسوء وكشف سرك فلا تحرص عليه فإنه لئيم). سادسا: ومن الحذر أخيرا أن تحذر أعداء الله تعالى، رب العزة بقدرته بعلمه يقول: إن الذي يعرض عن منهج الله سبحان يفوته السداد والتوفيق، كما وتتقاذفه الوساوس وتعبث به الأهواء فيزن الأمور بموازين الأرض لا السماء، ويزيد الأمر ضلالا وجود علماء السوء الذي يحللون ما حرّم الله ورسوله، فنسأل الله العافية. وأما وسائل الحذر في إسلامنا فهي كثيرة: منها التخفي والاستتار: فقد كان أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام إذا أرادوا الصلاة ذهبوا إلى شعب الجبال، شقوق الجبال، يصلون هناك يوم كانوا بمكة خوفا من بطش الكفار بهم([16]). ومن وسائل الحذر أيضا هو التفرق وعدم التجمع، أخذا من قول رب العزة سبحانه: ومن وسائل الحذر أيضا هو استخدام المعاريض، هو أن تقول كلاما تقصد به أمرا ويفهم السامع غير الذي تريد، عندما هاجر النبي عليه الصلاة والسلام ومعه أبو بكر ومن وسائل الحذر أيضا هو الكذب، يجوز للمسلم أن يكذب في أحوال ثلاث، قول النبي عليه الصلاة والسلام: ((عند اصلاح ذات البين))، كأن تقول لفلان: والله إن فلان يذكرك بالخير، وتقول مثل هذا لصاحبه حتى تقرب بين القلوب، مع أن كليهما لم يذكرا ذلك: ((وعند الحرب وقول الرجل لزوجته وقول الزوجة لزوجها))([18])، أن يذكرها بأنها أجمل النساء وليست كذلك، أو أنه أشجع الناس وهو ليس كذلك. ومن الوسائل أخيرا، التشبه بالكفار للمصلحة: صلاح الدين الأيوبي رضي الله عنه وأرضاه، عندما أراد فتح بيت المقدس كان من الوسائل التي استخدمها أن يأمر بعض المسلمين أن يتشبهوا بزي أعداء الله من الأفرنجة، فيحلقوا لحاهم ويلبسوا زيهم، ويدخلون بيت المقدس يتعرفون على مواضع الضعف فيها وإيصال تلك المعلومات، بعد ذلك، مما كان لها الأثر في الفتح المبين.
| |