ملخص الخطبة | |
1- حقيقة الأخوة في الله 2- حقوق الأخوة 3- الطريق إلى الأخوة | |
الخطبة الأولى | |
أحبتى فى الله … إننا اليوم على موعد مع موضوع من الأهمية القصوى بمكان وهو بعنوان ((الأخوة فى الله)) وكما تعودنا دائماً سوف ينتظم حديثنـا مع حضراتكم تحت هذا العنوان الرقيق فى العناصر التالية:- أولاً: حقيقة الأخوة فى الله. ثانياً: حقوق الأخوة. ثالثاً: الطريق إلى الأخوة. فاسمحوا لى أن أقول: أعرونى القلوب والأسماع والوجـدان، والله أسأل أن يجعلنا ممن يستمعون القـول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم ألوا الألباب. أولاً: حقيقة الأخوة. أحبتى فى الله: لقد أصبحت الأمـة اليوم كما تعلمون غثاء كغثاء السيل، لقد تمـزق شملها وتشتت صفها، وطمع فى الأمـة الضعيف قبل القوى، والذليل قبل العزيز، والقاصى قبل الدانى، وأصبحت الأمة قصعة مستباحة كما ترون لأحقر وأخزى وأذل أمم الأرض من إخـوان القردة والخنازير، والسبب الرئيس أن العالم الآن لا يحترم إلا الأقوياء ،والأمة أصبحت ضعيفة، لأن الفرقة قرينة للضعف، والخذلان، والضياع، والقوة ثمرة طيبة من ثمار الألفة والوحدة والمحبة، فما ضعفت الأمة بهذه الصورة المهينة المخزية إلا يوم أن غاب عنها أصل وحدتها وقوتها ألا وهو ((الأخوة فى الله)) بالمعنى الذى جاء به رسول الله أبى الإسلام لا أبَ لى سِوَاهُ إذا افتخـروا بقيسٍ أو تميمِراحوا يرددون جميعاً بلسان رجل واحد قول الله عز وجل:
ثم آخى النبى ثم آخى رسول الله والجواب: ضاع. وذهب يوم أن ذهب عبد الرحمن بن عوف. فإذا كان السؤال: من الآن الذى يعطى عطاء سعد؟! فإن الجواب: وأين الآن من يتعفف بعفة عبد الرحمن بن عوف؟!! لقد ذهب رجل إلى أحد السلف فقال: أين هذا مشهد من مشاهد الإخاء الحقيقى بمعتقد التوحـيد الصافى بشموله وكماله، والله لولا أن الحديـث فى أعلى درجات الصحـة لقلت إن هذا المشهد من مشاهد الرؤيا الحالمة. هذه هى الأخوة الصادقة، وهذه هى حقيقتها، فإن الأخوة فى الله لا تبنى إلا على أواصـر العقيدة وأواصر الإيمـان وأواصر الحب فى الله، تلكم الأواصر التى لا تنفك عراها أبداً. الأخوة فى الله نعمة جمة من الله، وفضـل فيض من الله يغدقهـا على المؤمنين الصادقـين ،الأخـوة شراب طهور يسقيه الله للمؤمنـين الأصفياء والأزكياء. لذا فإن الأخوة فى الله قرينة الإيمان لا تنفك عنه، ولا ينفك الإيمان عنها فإن وجدت أخوة من غير إيمـان، فاعلم يقيناً أنها التقـاء مصالح، وتبادل منافع، وإن رأيت إيمان بدون أخوة صادقة فاعلم يقيناً أنه إيمان ناقص يحتاج صاحبه إلى دواء وعلاج لمرض فيه، لذا جمع الله بين الإيمـان والأخوة فى آية جامعة فقال سبحانه فالمؤمنون جميعاً كأنهم روح واحدة حل فى أجسام متعددة كأنهم أغصان متشابكة تنبثق كلها من دوحة واحدة، بالله عليكم أين هذه المعانى الآن؟!! ولذلك لو تحدثت الآن عن مشهد كهذا الذى ذكر آنفا ربما استغرب أهل الإسلام هذه الكلمات، وظنوها كما قلت من الخيالات الجميلة والرؤيا الحالمة لأن حقيقة الأخوة قد ضاعت الآن بين المسلمين، وإن واقع المسلمين اليوم ليؤكد هذا الواقع الأليم، وإنا لله وإنا إليه راجعـون، فلم تعد الأخوة إلا مجرد كلمات جوفاء باهتة باردة لا حرارة فيها إلا من رحم الله. فإن الأخوة الموصلة بحبل الله المتين نعمة امتن بها ربنا جل وعلا على المسلمين الأوائل فقال سبحانه: فالأخوة نعمة من الله امتن بها الله على المؤمنين وقال تعالى: فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ وقال تعالى: ثانيا: حقوق الأخوة فى الله. الحق الأول: الحب فى الله والبغض فى الله. ففى الحديث الذى رواه أبو داود والضيـاء المقدسي وصححه الشيخ الألباني من حديث أبى أمامة الباهلي أنه وفى الصحيحين من حديث أنس أنه وفى الصحيحين من حديث أبى هريرة أن النبى وفى صحيح مسلم من حديث أبى هريرة وفى موطأ مالك وأحمـد فى مسنده بسند صحيح، والحاكم ،وصححه ووافقه الذهبى أن أبا إدريس الخولانى رحمه الله قال: دخلت مسجد دمشق فإذا فتى شابٌ برَّاق الثَّنايا والناس حـوله فإذا اختلفوا فى شىء أسندوه إليه، وصدروا عن قوله و رأيه. فسألت عنه؟ فقيل: هذا معاذ بن جبل وفى الحديث الذى رواه مسلم وأبو داود أنه فسلم على أخيك بصدق وحرارة، لا تسلم سلاماً باهتاً بارداً لا حرارة فيه. إننا كثيراً لا نشعر بحـرارة السلام واللقاء ولا بإخلاص المصافحة. . لا نشعر أن القلب قد صافح القلب. ففى صحيح مسلم من حديث أبى هريرة قال الخطابى: فالخَيِّر يحنو إلى الأخيار والشرير يحنو إلى الأشرار هذا هو معنى ما تعارف من الأرواح ائتلف، وما تنافـر وتناكر من الأرواح اختلف، لذا لا يحب المؤمن إلا من هو على شاكلته من أهل الإيمـان والإخلاص، ولا يبغض المؤمن إلا منافـق خبيث القلب، قال الله تعالى أى يجعل الله محبتة فى قلوب عباده المؤمنـين، وهذه لا ينالها مؤمن على ظهر الأرض إلا إذا أحبـه الله ابتداءً. كما فى الصحيحين من حديث أبى هريرة قال رسول الله أيها الأحباب الكرام: المرء يوم القيامـة يحشر مع من يحب، فإن كنت تحب الأخيار الأطهار ابتداءً من نبيك المختار وصحابته الأبرار والتابعين الأخيار، وانتهاء بإخوانك الطيبين فإنك ستحشر معهم إذا شاء رب العالمـين، وإن كنت تحب الخبث و الخبائث وأهل الفجور واللهو واللعب كنت من الخاسرين فتحشر معهم إذا شاء رب العالمين. ففى الصحيحين من حديث أنس بن مالك ونحن نشهد الله أننا نحب رسول الله وأبا بكر، وعمر، وعثمان وعليّ وجميع أصحاب الحبيب النبي، وكل التابعين لنهجه وضربه المنير، ونتضرع إلى الله بفضله لا بأعمالنا أن يحشرنا معهم جميعاً بمنّه وكرمه، وهو أرحم الراحمين. ولله در القائل: أتحب أعـداء الحبيب وتدعـى حباً له، ما ذاك فى الإمكـان وكذا تعـادى جاهـداً أحبـابه أين المحـبة يا أخا الشيطان إن المحــبة أن توافـق مـن تحب على محبته بلا نقصـانِ فلئن ادعيت له المحبـة مـع خلاف ما يحب فأنت ذو بهتان لو صـدقت الله فـيما زعمتـه لعاديت من بالله ويحـك يكفرُ وواليت أهل الحق سراً وجهـرة ولما تعاديـهم وللكـفر تنصرُ فما كل من قد قال ما قلت مسلم ولكن بأشـراط هناك تذكـرُ مباينة الكـفار فى كـل موطن بذا جاءنا النص الصحيح المقرر وتخضع بالتوحـيد بين ظهورهم تدعـوهـم لـذاك وتجــهر ومن السُّنَّة إذا أحب الرجـل أخاه أن يخـبره كما فى الحديث الصحيح الذى رواه أبو داود من حديث المقدام بن معد يكرب وفى الحديث الذى رواه أبو داود من حديث أنس: أن رجلاً كان عند النبي وفى الحديث الـذى رواه أبو داود وأحمد وغيرهما من حديث معاذ بن جبل أن النبي فقال معاذ: بأبى أنت وأمى يا رسـول الله، فوالله إنى لأحبك. فقال وامتثالاً لأمر النبى الكريم ،فإنى أشهد الله أنى أحبكم جميعاً فى الله، وأسأل الله أن يجمعنى مع المتحابين بجلاله فى ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، إنه ولى ذلك والقادر عليه. أقول قولى هذا، و أستغر الله لي ولكم. ([1]) رواه البخاري رقم ( 3781 ) فى مناقب الأنصار ، باب إخاء النبي والأنصار ، ومسلم رقم ( 1427 ) في النكاح ، باب الصداق ، وجواز كونه تعليم القرآن وخاتم حديد ، والموطأ ( 2/ 545 ) في النكاح ، وأبو داود رقم ( 2109 ) ، والترمذي رقم ( 1094 ) ، والنسائي ( 6/ 119 ، 120 ) . ([2]) رواه أبو داود رقم ( 4681 ) فى السنة ، باب الدليل على زيادة الإيمان ، وأخرجه أيضاً أحمد فى المسند ( 3/ 438 ) ، وهو في صحيح الجامع ( 5965 ) . ([3]) رواه البخاري رقم ( 16 ) في الإيمان ، باب حلاوة الإيمان ، ومسلم رقم ( 43 ) في الإيمان ، باب بيان خصال من اتصف بهن وجد حلاوة الإيمان . ([4]) رواه البخاري ( 1423 ) في الزكاة ، باب الصدقة باليمين ومسلم ( 1031 ) في الزكاة باب فضل إخفاء الصدقة ، والموطأ ( 2/ 952 ) في الشعر ، باب ما جاء في المتحابين في الله ، والترمذى رقم ( 2392 ) في الزهد ، والنسائي ( 8/ 222 ، 223 ) في القضاء . ([5]) رواه مسلم رقم ( 2842 ) في صفة الجنة ، باب في شدة حر نار جهنم ، والترمـذي رقم ( 2576 ) في صفة جهنم ، باب ما جاء في صفة جهنم . ([7]) أخرجه الإمام مالك في الموطأ ( 2/ 953 ، 954 ) في الشعر ، باب ما جاء في المتحابين فى الله وأحمد في المسند ( 5/ 229 ) وإسناده صحيح وصححه الحاكم ( 4/ 168 ، 169) على شرط الشيخين ووافقه الذهبي ، وابن حبان فى صحيحه ( 2510 موارد ) وقال ابن عبد البر : هذا إسناد صحيح . ([8]) رواه مسلم رقم ( 54 ) فى الإيمان ، باب بيان أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنـون وأن محبـة المـؤمن من الإيمـان ، وأبو داود رقم ( 5193 ) فى الأدب ، باب فى إفشاء السـلام والترمذي رقم ( 3689 ) في الاستئذان . ([9]) رواه مسلم رقم ( 2638 ) في البر والصلة ، باب الأرواح جنود مجندة ، وأبو داود رقم ( 4834 ) في الأدب ، باب من يؤمر أن يجالس. وهو في صحيح الجامع ( 6797 ) . ([10]) رواه البخاري رقم ( 3209 ) في بدء الخلق ، باب ذكر الملائكـة صلوات الله عليهم ، ومسلم ( 2637 ) في البر والصلة ، باب إذا أحب الله عبداً حببه إلى عبادة ومالك في أو الموطأ ( 2/ 953 ) في الشعر ، والترمذي رقم ( 3160 ) في التفسير . ([11]) رواه البخاري رقم ( 3688 ) في فضائل أصحاب النبى ( 5127 ) في الأدب ، والترمذي رقم ( 1386 ) في الزهد . ([12]) رواه أبو داود ( 5124 ) في الأدب ، باب إخبار الرجل الرجل بمحبته إليه ، والترمذي رقم ( 2393 ) في الزهد ، باب ما جاء في إعلام الحب وصححه الألباني في صحيح الجامع ( 279 )
| |
الخطبة الثانية | |
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ،وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ،وأشهد أن محمداً عبد ورسوله اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه، وعلى آله، وأصحابه، وأحبابه وأتباعه وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين. أما بعد أيها الأحبة الكرام. الحق الثانى: أن لا يحمل الأخ لأخيه غلاً ولا حسداً ولا حقداً. أحبتى فى الله: المؤمن سليم الصدر، طاهر النفس، نقى، تقى القلب، رقيق المشاعر رقراق العواطف، فالمؤمن ينام على فراشه آخر الليل - يشهد الله فى عليائه - أنه لا يحمل ذرة حقد، أوغل، أو حسد لمسلم على وجه الأرض البتـة ، والنبى إن الحقد والحسد من أخطـر أمراض القلوب والعياذ بالله، فيرى الأخ أخاه فى نعمة، فيحقد عليه ويحسده، ونسي هذا الجاهل ابتداءً أنه لم يرض عن الله الذى قسم الأرزاق، فليتق الله وليعد إلى الله سبحانه وتعالى، وليسأل الله الذى وهب وأعطـى أن يهبه ويعطيه من فضله، وعظيم عطائه، ويردد مع هؤلاء الصادقين: وردد مع هؤلاء بصفاء، وصدق، وعمل، فقد قال الله فيهم: ففى مسند أحمد بسند جيد من حديث أنس قال كنا جلوساً عند النبى إن سلامة الصدر من الغل والحسد بلغت بهذا الرجل أن يشهد له رسول الله الحق الثالث: طهارة القلب والنفس. إن من حقوق الأخـوة فى الله أنك إن لم تستطع أن تنفع أخاك بمالك فلتكف عنه لسانك، وهذا أضعف الإيمـان، فإن تركنا الألسنة تُلقى التهم جزافاً دون بينة أو دليل، وتركنا المجال فسيحاً لكل إنسان أن يقول ما شاء فى أى وقت شاء، فإنما ينتشر بذلك الفساد والحسد، والبغضاء، فإن اللسان من أخطر جوارح هذا الجسم، قال الله جل وعلا : وقال تعالى: وقال جـل فى علاه: تورع عن إخوانك، أمسك عليك لسانك، واتق الله، فوالله ما من كلمة إلا وهى مسطرة عليك فى كتاب عند الله لا يضل ربي ولا ينسى. ففى الصحيحين من حديث أبى هريرة وفى الصحيحين من حديث أبى موسى قال:قلت: ((يا رسـول الله أى المسلمين أفضل؟ قال: من سلم المسلمون من لسانه ويده))([4]). وفى الصحيحين من حديث أبى هريرة واللفظ للبخـارى أنه وفى حديث ابن عمر أن النبى وأختم هذه الطائفـة النبوية الكريمة بهذا الحديث الذى يكاد يخلع القلب والحديث رواه الإمام أحمد فى مسنده ،وأبو داود فى سننه من حديث يحيى بن راشد قال والله لو نحمل فى قلوبنـا ذرة إيمان ونسمع حديث من هذه الأحاديث للجم الإنسان لسانه بألف لجام قبل أن يتكلم كلمة، ولكن لا أقـول ضعف إيمان، بل إنا لله وإنا إليه راجعون. الحق الرابع: الإعانة على قضاء حوائج الدنيا على قدر استطاعتك. واسمع إلى هذا الحديث الذى تتلألأ منه أنوار النبوة: عن ابن عمر رضى الله عنهما قال: أن رجلاً جاء إلى النـبى فمن حق المسلم على المسلم إن استطاع أن يعينه في أمر من أمور الدنيا أن لا يبخل عليه، فأنت يا مسلم لئن مشيت فى حاجة أخيك المسلم أفضل عند الله تعالـى من أن تعتكف فى المسجد شهراً وثبت الله قدمك يوم تزل الأقدام. وفى صحيح مسلم من حديث أبى هـريرة يقول المصطفى فيا أخى المسلم، يا منْ منَّ الله عليك بمنصبٍ أو جاه. إن استطعت أن تنفع إخوانك فافعل ولا تبخل، وبالمقابل يجب على المسلمـين، أن لا يكلفوا إخوانهم بما لا يطيقون، وإن كلفوهم فعجزوا فليعذروهم قال تعالى: وما أجمل أن يقول الأخ لأخـيه: أسأل الله أن يجعلك مفتـاح خير، وهذه حاجتى إليك، فإن قضيتها حمدت الله ،ثم شكرتك، وإن لم تقضها لى حمدت الله ثم عذرتك، هذه هى الأخوة. الحق الخامس: بذل النصيحة بصدق وأمانة. ففى صحيح مسلم من حديث تميم الدارى t أن رسول الله لكن أتمنى من الله أن يعي إخوانى الضوابط الشرعية للنصيحة. قال الشافعى: من نصح أخـاه بين الناس فقد شانه، ومن نصح أخاه فيما بينه وبينه فقد ستره وزانه. والناصح الصـادق: رقيق القلب، نقى السريرة، مخلص النية، يحب لأخيه ما يحب لنفسه، فإن رأى أخاه فى عيب دنا منه بحنان، وتمـنى أن لو ستره بجـوارحه لا بملابسه، ثم قال له حبيبى فى الله. ثم يبـين له النصيحة بأدب ورحمة ،وتواضع ،فلتُشْعِر أخاك وأنت تنصحه: بحبك له، وبتواضعك وخفض جناحك له، فقد سطر الله فى كتابه جلس رجل فى مجلس عبد الله بن المبارك فاغتاب أحد المسلمين، فقال له عبد الله بن المبارك: يا أخى هل غزوت الروم؟! قال: لا. قال: هل غزوت فارس؟! قال: لا. فقال عبدالله بن المبارك: سلم منك الروم وسلم منك فارس، ولم يسلم منك أخوك!! والذى بُذِلَ له النصيحة عليه أن يحسن الظن بأخيه الناصـح ولا تأخذه العزة بالإثم، وأن يتقبلها منه بلطف، وأدب، وتواضع، وحب، ويشكره عليها، ويدعو له بظاهر الغيب. ورحم الله من قال: رحم الله من أهدى إليَّ عيوبي. الحق السادس: التناصر عن أنس بن مالك t قال: قال رسول الله انصر أخاك فى كل الأحوال، إن كان ظالماً خذ بيده عن الظلم، وإن كان مظلوماً وأنت تملك أن تنصره انصره، ولو بكلمة، وإن عجزت فبقلبك، وهذا أضعف الإيمان. الحق السابع: أن تستر عيب أخيك المسلم وتغفر له زلاته: وهذا من أعظم الحقوق: فالأخ ليس مَلَكاً مقرباً، ولا نبياً مرسلاً، فإن زل الأخ فى هفوة فهو بشر، فاستر عليه. قال العلماء: الناس صنفان. صنف اشتهر بين الناس بالصلاح والبعد عن المعاصـى، فإن زل ووقع وسقط فى هفوة من الهفـوات على المسلمين أن يستروا عليه، ولا يتبعوا عوراته. ففى الحديث الصحيح الذى رواه أحمد وأبو داود من حديث أبى برزة الأسلمى نسأل الله أن يسترنا وإياكم بستره الجميل. والصنف الثانى من الناس: يبارز الله بالمعاصى ويجهر بها، ولا يستحى من الخالق، ولا من الخلق، فهذا فاجر، فاسق، لا غيبة له. وأخيراً: الطريق إلى الأخوة. وأنا أعتقد اعتقاداً جازماً أن الطريق قد وضع فى ثنايا المحاضرة، ولكننى أجمل هذا الطريق فى خطوتين اثنتين لا ثالثة لهما. أما الخطوة الأولى: العودة الصادقة إلى أخلاق هذا الدين. إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن ذهبت أخلاقهم ذهبوافلنعد إلى هذه الأخلاق السامية التى ينفرد بها الدين الإسلامى لتعود لنا الأخوة الصادقة فى الله، تعود الأخوة الحقيقة. لتلتئم الصفوف، وتضمد الجراح، وتلتقى الأمة على قلب رجل واحد. فوالله ثم والله لا ألفة، ولا عزة، ولا نصرة، ولا تمكـين، إلا بالعودة الصادقة إلى أخلاق هذا الدين، وإن شئت فقل العودة الصادقة إلى أخلاق سيد المرسلين، فلقد لخصت عائشة رضي الله عنها أخلاق النبى في كلمات قليلة ولكنها عظيمة فقالت: ((كان خلقه القـرآن))([13]) نعم والله إنه أيها الأحبة: قد يكون من اليسير جداً –كما أقرر دائماً – تقديم منهج نظري في التربية والأخلاق، بل إن المنهج هذا موجود بالفعل وسُطِّر في بطون الكتب والمجلات، ولكن هذا المنهج لا يساوى قيمة الحبر الذى كتب به، إن لم يتحول فى حياة الأمة مرة أخرى إلى واقع عملى وإلى منهج حياة فإن البون شاسع بين منهجنا المنير المضىء ووقعنا المر المرير الأليم. الخطوة الثانية: نتحرك لدعوة المسلمين إلى هذه الأخلاق بالحكمة والموعظة الحسنة. بعد أن نحوِّل هذه الأخلاق النظرية إلى واقع عملى منير مضىء فى حياتنا يجب علينا بعد ذلك أن نتحرك لدعوة المسلمين إلى هذه الأخـلاق بالحكمة البالغة والموعظة الحسنة، والكلمة الرقيقة الرقراقة، والرفق والحلم، فهذا هو مقام دعوة الناس إلى الله فى كل زمان ومكان قال الله تعالى : وقال تعالى: أسأل الله أن يربط قلوبنا برباط وثيق رباط الحب فى الله، حتى نعود مرة أخرى إلى عزتنا وكرامتنا وسيادتنا وتتحقق السنن الربانية فينا بحوله ومدده إنه ولي ذلك والقادر عليه.
([1]) رواه البخارى رقم ( 6065 ) فى الأدب ، باب ما ينهى عن التحاسد والتدابر ، ومسلم ( 2563 ) في البر والصلة ، باب تحريم الظن والتحسس والتنافس ، و مالك فى الموطـأ ( 2/ 907 ، 908 ) في حسن الخلق وأبو داود ( 4882 ، 4917 ) في الأدب ، باب في الغيبة ، والترمذي ( 1928 ) في البر والصلة ، باب ما جاء في شفق المسلم على المسلم . ([2]) رواه أحمد في المسند ( 3/ 166 ) رقم ( 12633 ) وقال محققه إسناده صحيـح ، ووراه أيضاً الترمذي رقم ( 694 ) والطبراني فى الكبير ( 10/ 206 ) ، والحاكم في المستدرك وصححه ووافقه الذهبي . ([3]) رواه البخاري رقم ( 6138 ) في الأدب ، باب إكرام الضيف وخدمته إياه بنفسه ، ومسلم رقم ( 48 ) في الإيمان ، باب الحث على إكرام الجار والضيف ولزوم الصمت إلا عن الخير وكون ذلك كله من الإيمان ، والموطأ ( 2/ 929 ) في صفة النبى ([4]) رواه البخاري رقم ( 11 ) في الإيمان ، باب من سلم المسلمون من لسانه ويده ، ومسلم رقم ( 42 ) في الإيمان ، باب بيان تفاضل الإسلام ، والترمـذي رقم ( 2506 ) في صفة القيامة ، والنسائي ( 8/ 106، 107 ) في الإيمان . ([5]) رواه البخارى رقم ( 6478 ) في الرقاق ، باب حفظ اللسان ، ومسلم رقم ( 2988 ) في الزهد ، باب التكلم بالكلمة يهـوى بها فى النار ، والموطـأ ( 2/ 985 ) في الكلام ، والترمذي فى الزهد ، باب فيمن تكلم بكلمة ليضحك بها الناس . ([6]) رواه الطبراني في الأوسط ( 1/ 143 ) وقال الألباني في الصحيحة ( 1871 ) : والحديث بمجموع طرقه صحيح ثابت ، وهو في صحيح الجامع ( 3537 ) . ([7]) أخرجه أحمد في المسند ( 2/ 70 ) وقال الشيخ شاكر : إسناده صحيح ، وأبو داود رقم ( 3597 ) في الأقضية ، باب فيمن يعين على خصومة من غير أن يعلم أمرها وصححه الألباني في الصحيحة ( 437 ) . ([8]) رواه ابن أبى الدنيـا في قضاء الحوائج ص 80 رقم 36 وحسنه الألبانـي في الصحيحة ( 906 ) وهو في صحيح الجامع ( 176 ) . ([9]) رواه مسلم رقم ( 2699 ) في الذكر والدعاء ، باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر وأبو داود رقم ( 4946 ) في الأدب ، باب من المعونة للمسلم ، والترمذى ( 1425 ) في الحدود ، باب ما جاء في الستر على المسلم ، وهو في صحيح الجامع ( 6577 ) . ([10]) رواه مسلم رقم ( 55 ) في الإيمـان ، باب بيـان أن الدين النصيحة ، والترمـذي رقم ( 1927 ) في البر والصلة من حديث أبي هريرة ([11]) رواه البخاري رقم ( 2444 ) فى المظالم ، باب أعن أخاك ظالماً أو مظلوماً ، والترمـذي رقم ( 2256 ) في الفتن .
| |